لم تعد السينما فناً تعنى به فئة خاصة من الناس بل أصبحت فناً جماهيرياً على أوسع نطاق ممكن يقصدها الصغار والكبار، المقتدر والمعوز، ولا تقف الثقافات المتباينة للمجتمعات والحضارات دون متابعة الناس للإنتاج السينمائي الواسع في كافة دول العالم حتى صارت عالماً موازياً للعالم، إنها العالم كله بحضاراته وثقافاته وتواريخه وصراعاته وأساطيره وأديانه وأشكال تطوره في كل مسار الوجود البشري، مختزلاً، مرئياً، موثقاً، على شاشة – لا يهم حجمها صغرت أم كبرت – يجري في الآن ذاته أمام ذلك الذي يجلس هادئاً في بيته أو مجتازاً مشقة الوصول إلى دور السينما، في أية بقعة من بقاع الأرض، حتى أصبحت دراسة تأثيرها على المجتمع الواحد تقع ضمن المستحيل، فكيف بتأثيرها على المجتمعات البشرية كافة! وأمام هذا الحضور الكاسح المذهل لفن السينما وتطور مسارها وتقنياتها ولغتها يتساءل الإنسان المنشغل: لماذا تظل السينما العربية بعد أكثر من نصف قرن على نشوئها تراوح لا في منطقة البدايات بل في منطقة السقوط! فقد كانت البدايات وفق زمانها موضوعاً وتقنية من مراحل الراهن! والشواهد كثيرة منها أن السينما لشباب هذه الأجيال صارت جزءاً هاماً من اهتماماته وشغفه ومتابعة الأفلام الأجنبية حصراً، بينما لا تحتل الأفلام العربية من متابعته سوى حيز الصدفة والضجر! في السينما الأجنبية يجد الشباب جموح الخيال وتطور التقنيات المذهل والموضوع الذي يتناول كل جزء في حياة الإنسان منذ تاريخه الأسطوري حتى مستقبله المجهول. فهي لا تقدم له ما ليس موجوداً في محيطه فقط، بل تكشف له أحلامه ومشاعره بصيغة تعري الواقع الذي يعيشه مما يدفع به إلى التساؤل: هل ثمة نوعان من الإنسان، نوع ينتمي إليه هو، ونوع ينتمي إليه الآخر؟ لكن سؤالاً كهذا لا يشغل شبابنا اليوم لغياب ثقافة السؤال في واقع ثقافتنا العربية! إن الدهشة حد الذهول تمتلكنا نحن الكبار قبل الصغار أمام هذه التقنيات الهائلة للخدع السينمائية، وتصوير المعارك واللغة المختزلة والقدرة التجسيدية للممثل على التأثير على المشاهد ولغة الكاميرا والصورة والمشهد واللقطة وأساليب التعبير التي لا تبدأ بالممثل ولا تنتهي بتفاصيل المشهد كله، ثم... الإخراج. نعم الإخراج.. ذلك الذي يدفع بشباب دون الثامنة عشرة إلى تداول القول: إن ضعف الأفلام العربية وهزلها يعود إلى ضعف الخيال وحرية الإبداع ونقص التمويل! إذا كان مفهوم الصورة والحوار والتمثيل، والتعبير، ومفاهيم أخرى كثيرة مثل الفكرة، الحدث، المعالجة، تقع في خانة التقليدية الممثلة، والضجيج والمحاذاة، والحذر، وتكريس السائد والمتعارف عليه، وصيغ التمجيد والوعظ والقناعة والطاعة، إذا كان هذا هو واقع السينما العربية، فهل نبحث عن سبب، لانصراف الشباب وأغلب الناس إلى متابعة السينما الأجنبية، رغم ما يتسم به أغلبها من تكريس للعنف – إلا أنه عنف يخرج بشكل عجيب كما يقول الشباب!! وإذا قيل إن المسرح هو أبو الفنون فإن السينما هي (أم الفنون) بمعنى الاشتمال الكلي، وهي أحد أعظم الفنون التي أبدعها العقل البشري وأجملها وأخطرها قدرة على الكشف عن اللحظة التاريخية التي يعيشها المجتمع بتناقضات وجوده وغيابه! hamdahkhamis@yahoo.com