أن تكون قد كبرت عاماً فهذا ليس شأناً خاصاً بك وحدك، بل هو أمر عام ويعني كل المحيطين بك، فأنت أكبر أمام أهلك في المنزل وأمام زملائك في العمل وحتى أمام بائعة الكاونتر التي تحاسبك على ما تبضعته من المتجر؛ بل هو عام بشكل أكبر بالنسبة للذين يقرؤون لنا نحن من نخط بأقلامنا آراءنا ومشاعرنا حول كل ما هو خاص وعام، فنحن نبدو أكبر أمامهم مهما تحايلنا بكلماتنا على تلك الأيام التي تضاف إلينا عاما بعد آخر.
نعلم أننا نكبر، من كثرة الأوراق التي علينا أن نجددها والتي تظهر تاريخ الميلاد والعمر، ومن تلك الآلام الغريبة التي تظهر فجأة من حركات طبيعية طالما اعتدنا الإتيان بها، ومن عيون الآخرين الذين يتصرفون معنا بجدية تامة رغم جنوحنا للضحك والتساهل، نعرف ذلك من ساعات القراءة التي قلت نسبياً بسبب تعب النظر. نعلم ذلك جيداً، ولكن هل نصدقه ونتعاطى معه بجدية؟! أبداً وعلى الإطلاق.
أفكر دوما في ماذا يعني أن تكون امرأة في الأربعين وما بعدها؟ كيف أبدو في هذه السن؟ هل ما أشاهده في المرآة صورتي الحقيقية التي يراها من يتعامل معي، أم هي صورة قديمة في ذهني لما اعتدت أن أشاهد به نفسي؟ هل ما أشعر به يتوافق فعلا مع سني؟ رغباتي هل هي مناسبة لمرحلتي العمرية؟ هل ضحكتي لم تتغير من أيام الثانوية؟ هل يجب أن تتغير لتتوافق مع ما هو مثبت في أوراقي الرسمية، أم أنها تغيرت ولم أشعر فعلاً بذلك؟!
كيف يجب أن أفكر، كيف علي أن أتصرف؟ هل ما أفكر به وأفعله يليق بذلك الرقم الذي يطلبه مني موظف الاستقبال في العيادة أثناء المراجعة؟ ويذكرني به شرطي المرور لكي أكتبه في ورقة بيانات تخطيط الحادث؟ هل ما أحس به وأرغب به يليق؟ يبدو الآخرون أقدر على تحديد ما يليق بهذا العمر أكثر من صاحب العمر نفسه، أو هكذا يحاولون إقناعنا طوال الوقت، افعل هذا.. ولا تفعل ذلك. ارتد ذلك واترك هذا، انس ذاك.. وقل هذا!
الحقيقة الوحيدة التي أدركها - رغم كل الأوراق الثبوتية وتراكمات الخبرة والمفترض أيضاً بعض الحكمة- أني لا أدري ماذا يعني أن يكون المرء في الأربعين، وهذا جيد إلى حد بعيد، لأني لن أستوعب ماذا يعني أن أكون في الخمسين والستين والتسعين - طولة العمر لي بإذن الله-، سأظل على حدود هذه الأرقام أرقب تحركها التصاعدي بحب وامتنان، ولكني لن أمنحها إدراكي الكامل بوجودها. إن للعمر ملكوتاً يجب أن لا نطيل المكوث فيه، نعبره بحكم أننا يجب أن نعلم بشأنه، لا أن ننغمس فيه، نبحث فيه بفرح فقط عن تلك الزيادات الجميلة التي أحدثها في أنفسنا أثناء عبوره، إنه ملكوت العمر.. فلنفرح به بما يليق به.
???
مازال هناك الكثير من الأسرار التي لم نكتشفها، والأوراق البيضاء التي تنتظر أن نملأها، والضحك نكات لم تقل بعد، والمشاعر الجياشة التي تنتظر أن تخرج، وحكايا الطفولة التي يجب أن نسترجعها. سأحتفي بملكوت عمري من جديد في رحم أمي، سأكون معها من دون الآخرين، كما كنت وقت ولادتي، لأحتفل بولادة جديدة تليق بي.



Als.almenhaly@admedia.ae