لا أريد خادمة في منزلي.. صرخة أطلقتها الأمهات العاملات، مطالبات بتأمين حضانات خاصة لأطفالهن في مقرات العمل.. صرخة جاءت في وقتها ومكانها، ولكن.. هل يكفي هذا؟ وهل ستُحل هذه المعضلة الكبرى لمجرد توفير هذه الحضانات؟
هذه مسألة فيها نظر، لأن الخطر أعظم وأكبر من كل ذلك، ولأن القضية تتعلق بثقافة مجتمع دهمها طوفان أخلاقي وسلوكي حتى أصبحت الخادمة اليوم المدبرة والمسيرة والآمرة، والمتآمرة، والسابرة والمغامرة، والمدمرة في أغلب الأحيان، الخصائص والسجايا والغائصة في الشؤون والشجون حتى نخاع العظم ونسيج اللحم، وبياض الشحم.. قناعات سادت ثم بادت، وبرزت مكانها قناعات جديدة احتلت مكاناً شاسعاً في وجدان الإنسان، وأصبحت من الثوابت والحقائق التي لن تحيد عنها الكثير من الأمهات اللواتي انشغلن وسكرن حتى الثمالة، بأمور لا يستطعن التخلي عنها ولو بقطع الأعناق.. فالسيدة الوقور اليوم، تجلس أمام التلفاز، بيد تقشر المكسرات وباليد الأخرى، تتأزر الموبايل، وتتحدث مع الصديقات لساعات طوال، عن أحوال الموضة، وأحدث الفساتين، والأحذية النسائية، ثم كيف تقترب من رائحة المطبخ، وكيف تضع نقشة الحناء، بغسل الأواني، وكيف تعتني بالصغار، وهي المشغولة بجسد يحتاج إلى العناية والرعاية، والحماية حتى من نسمة الهواء، وكما تقول بعض النساء: الرجال لا تكسر عيونهم إلا النساء، أو بالأحرى الزوجات اللاتي يعرفن من أين تُؤكل الكتف، فكيف بالله تفرط أي امرأة بهذا السلاح، وتغرق نفسها في الطبخ والنفخ وتترك المجال مفتوحاً لأخريات يلتقطن اللقمة سائغة ودون جهد.
الكثير من النساء يفكرن هكذا، ومقتنعات بأنها هذه هي الحقيقة، ومن تتحدث بغير هذه اللغة، فهي تخادع نفسها.. ولن تُضيِّع إلا نفسها؟!
إذا فالمسألة، لا تتعلق أبداً بقرار اتخذته مجموعة من النساء العاملات، شعرن بالخطر، وأردن تصويب الخطأ.. المسألة مسألة ثقافة مجتمع، تطور نسلاً من دهم ومباغتات، أشاحت بقوارب النجاح، بعيداً عن الشطآن، وسكن الشيطان العقل والوجدان، واستبد الزمان بالإنسان، مختطفاً إياه نحو متاهات ومجاهيل النسيان، مشوفاً به في فضاءات غبراء شعواء، عجفاء، نكراء، ومحاولة الرجوع إلى الجِبلة الأولى، تحتاج إلى مؤسسات تجند وتفند وتحشد جهودها وطاقاتها لأجل كسر حاجز الصوت والدخول في الدائرة المغلقة، بقوة الإرادة، وشيمة الوعي، وقيمة العمل لأجل إنقاذ أحلام الصغار من سوء وسيئات، ما يُحاك ضدهم من أساليب تربوية أقرب إلى العبث، حتى غشت عيونهم سحابة واكبة، وصار الطفل ينادي الخادمة “ماما” والسائق “بابا” والله المستعان.



marafea@emi.ae