لعل من أهم مميزات جائزة نوبل للآداب أنها عرفتنا بصدق على أدب أميركا اللاتينية، واكتشاف السحر الغرائبي في ثقافة هذه القارة بعدما سبقته منها شهرة، القهوة وفن كرة القدم والموسيقى، وحينما غصنا في رواياتها، وجدنا شيئاً من أنفسنا فيها، ووجدنا شيئاً منا فيها، ولعل ثمة جذور قدمت من خلال الإسبان، وجذور رحلت مع المهاجرين العرب الأوائل، وجذور استقاها أدب أميركا اللآتينية من الثقافة العربية والإسلامية بالمزاوجة والتلاقح.
ولعل العداء بين الثقافة العربية وجائزة نوبل يبالغ فيه البعض منا، ويرجعه لأسباب سياسية، ووجود أيد يهودية، رغم حيادية الجائزة أو أسباب فوقية حضارية ككره العرب والمسلمين رغم موضوعية الجائزة، ولكن في حقيقة الأمر أن حظوظ العرب من المنجز الحضاري اليوم قليلة جداً، لأسباب تكمن فينا، وتكمن في تخلفنا، وتكمن في قصورنا، وتكمن في عدم تعودنا على حب القراءة واعتباره جزءاً من عادة حضارية ملازمة لحياتنا، فلا يكفي أن يكون لدينا شاعر مجيد أو روائي كبير، ولا نعرف كيف نسوقه للعالم، ولا يطبع له في لغته الأم إلا 5 آلاف نسخة، وقلما يحظى بترجمة للغات عالمية، ومن ثم نريد أن نناطح به رؤوس العالم، اليوم أي كاتب باللغة الإسبانية يطبع له بالملايين، ويدخل من ضمن صناعة الكتاب والترويج والتسويق، وبذا يغزو العالم بكتاب أو رواية يتيمة، ويتعرف عليه شعوب العالم بلغاتهم وترجماتهم، وليس ثمة خسارة يمكن أن تقع على كاهل الناشر أو المترجم أو الموزع، أما الكاتب فيغنى من كتاباته.
إن منح الأكاديمية السويدية في ستوكهولم جائزة نوبل للآداب وهي رابع جائزة من أصل ست جوائز تمنح سنوياً في الطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد والسلام، وقبل أعوام منحت الجائزة للكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا “Mario Vargas Llosa” وسبقه ماركيز وغيرهما، لهو اعتراف أكيد بقيمة الأدب الناطق بالإسبانية، وما تزخر به قارة أميركا اللآتينية من منجز ثقافي وأدبي وتنوع حضاري جدير بأن يطلع عليه الإنسان في كل مكان، وهذا العام أعلن عن فوز الكاتب الصيني “مويان”، وهذا اعتراف بمنجز الصين العظيم في الآداب وفنون الكلمة المكتوبة، ولعل الصين التي تعمل بصمت، ولكنها تعمل بجد، حيث تعد الترجمات من اللغات الأجنبية للغة الصينية في العام الواحد يفوق العربي بأضعاف مضاعفة، ولا وجه للمقارنة في الأساس، ولعل نعرف أن ما يقوم الصينيون بترجمته من العربية إلى الصينية يفوق ما نجتهد نحن في ترجمته من الصينية إلى العربية، الشاهد على الحديث، علينا أن نتواضع قليلاً، ولا نعزو كل أسباب الظلم الواقع من جائزة نوبل على العرب مرده لأسباب غير واقعية، في حين الأرقام تعطينا البراهين، أهلاً بالصين بلغات العالم من جديد.


amood8@yahoo.com