الصدفة وحدها، قادتني أمس الأول لمشاهدة أحد برامجنا الرياضية الجماهيرية، وكان صيدها في هذه الليلة مختلفاً ومثيراً للجدل، لكنه في معظمه، كان ضد النموذج الذي شاهدناه، والذي ينال من ثوابتنا، حتى ولو كان زيّنا الذي توارثناه عن آبائنا وأجدادنا ونفخر به، ولم نفكر يوماً في تغييره. البرنامج التقى خياطاً، جاءنا بـ«ثورة الموضة» من الخارج، والتي هي عبارة عن ابتكار جديد يطرح «كنادير» مختلفة عن تلك التي نلبسها، إذ أصبح بالإمكان أن يرتدي شبابنا ورجالنا طالما أنهم من مشجعي الكرة «كنادير» بلون أنديتهم المفضلة، لترى كندورة برشلونة أو ريال مدريد ومانشستر سيتي، وأيضاً والطبيعي أن يصل «المد الكندوري» إلى دوري المحترفين، فنشاهد في المدرجات «كندورة مشجعي العين»، وأخرى للوصل وثالثة للعنابي، وهكذا. «صيد البرنامج»، سرعان ما أطلق عاصفة من الانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي، رافضين أن تتحول الكندورة إلى «فستان» بهذا الشكل الذي طرحه الأخ الخياط، وجاءنا به من الغرب، والمدهش أن الرجل أكد أن رهانه الأول سيكون على الأطفال، فهم الذين يحركون الأسرة، وهم رجال الغد، ولديه الحق في ذلك، فمن غير الطفل سيجبر الأب على تغيير عاداته، ومن غير الطفل سنلبي له طلبه، الذي سيبدأ اليوم بموضة بسيطة يلبسها الطفل كما يلبس «بدلة سوبر مان» وقناع «سبونش بوب»، لكن المختلف في «الموضة الجديدة»، أننا قد نرى جيلاً في الغد، يختال بهذه «الكنادير» المقترحة، والمزركشة بألوان البارسا والريال والعين والوحدة والأهلي وغيرها من الأندية. لست ضد البرنامج في «صيده» الذي أثار الجدل، فكفاه هذا الجدل الذي دار حوله، لكنني تماماً ضد أن نتبناه، أو أن يكون له صدى حسن بيننا، فالكندورة، ليست مجرد زي نرتديه لكنها تاريخ يسلمه جيل إلى جيل، وفيها من بواطن النفس الكثير، فهذا اللون الأبيض الطاغي على معظمها أو الأسود أو أياً كان، لم يغير من نمطها المعتاد، والذي لا يتغير مع اللون، لكن أن تتحول إلى فساتين، بدعوى «الموضة» والعصرية، فهذا ما لا نرضاه لأبنائنا، الذين سيكونون بإذن الله رجال الغد، المنوط بهم مسؤولية المشاركة في بناء هذا البلد. يبدو أن الأخ «الخياط» قد أنسته الغربة الكثير من عاداتنا، وأن السنين التي لم يعتد فيها لبس «الكندورة» وهو خارج الحدود، أنسته ماذا يعني هذا الزي الوطني، ولا ما هي ثوابته، ولا كيف أننا لا نقبل المساس به، أياً كانت المبررات أو الدعاوى، لأنه جزء منا، ومثلما يذكرنا بماضينا، يمنحنا فخراً نخوض به غمار المستقبل. وبقدر ما أزعجتني هذه البضاعة القادمة من خارج حدودنا، بقدر ما أسعدتني حالة الرفض العامة لمجرد مناقشة الفكرة، وكم كنت أود ألا أسوّق لها، لولا أن الكثيرين طالبوني بالكتابة عنها ونقل رفضهم لها إلى كل من يعنيه أمرها، حتى لا ينقاد أحد خلف هذا «الزيف» الذي يغرينا بداعي التطور، والتغيير، وهو في الحقيقة يريد أن ينال من صورة أبنائنا، فيكسيهم بألوان مضحكة، والأولى بمن يقبل هذا الزي على نفسه، ألا يتحرك بيننا وإنما في «السيرك». كلمة أخيرة: «ريموت التلفزيون» مثل الحياة .. مرة يسعدك ومرة «يرفع لك الضغط». mohamed.albade@admedia.ae