نسمع مجدداً صليل وصهيل شركات التأمين الصحي، وهي تلوح مجدداً برفع أسعار وثائق التأمين، وهي تكرر ذات الأسطوانة المشروخة عن ارتفاع أسعار الخدمات الصحية في سوق بلغ فيها إجمالي تعويضات العام الماضي نحو 4,3 مليار درهم. وهي كلفة تزيد عما كانت تنفقه دوائر الصحة مجتمعة قبل تطبيق نظام التأمين الصحي في عدد من إمارات الدولة.
لقد أغرى كرم الدولة، وحرصها على امتداد مظلة التأمين الصحي، بعض الشركات العاملة في هذا المجال، وكذلك مزودي الخدمات الصحية، على المطالبة المستمرة برفع قيمة أقساطها وأثمان الخدمات التي تقدمها بطريقة غير معقولة أو مقبولة، ودوائر «الصحة» أدرى قبل غيرها بما يجري في هذا الميدان الذي يحتاج إلى مراجعة شاملة للنظام من أساسه، بعد أن تحول إلى عبء حقيقي على المواطن والمقيم، قبل أن يكون على الدولة والأهداف النبيلة التي رسمتها عند الشروع فيه والغايات السامية منه.
يكفي أن نتوقف أمام الرقم الذي أعلنت عنه مؤخراً الشركة الوطنية للضمان الصحي «ضمان»، باستعادتها 35 ألف مطالبة تأمين صحي مخالفة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري. مما يكشف جشع البعض وطريقة استغلاله لنظام التأمين الصحي. وكنت قد ضربت مثالاً لذلك بواقعة تقاضي مركز خاص لطب الأسنان ثمانمائة درهم لقاء خلع سن، لم يكن تتعدى تكلفته الخمسين درهماً قبل تطبيق التأمين الصحي.
الشركة الوطنية التي يناهز عدد عملائها أربعة ملايين عميل بدلاً من التصدي بحزم للجهات المتلاعبة أو المبالغة في رسوم خدماتها، فرضت على مزودي الخدمات في بعض القطاعات عدم تقديم خدماتها للمريض إلا بعد الحصول على موافقتها المسبقة، مما يؤدي إلى تكدس المرضى والمراجعين في تلك العيادات الخاصة. ويزداد تعقيد الوضع بالنسبة للمرضى ممن يتطلب وضعهم تدخلاً جراحياً عاجلاً، وبالذات عند الجراحات الدقيقة المكلفة، كعمليات القلب وغيرها، والتي تتجاوز كلفتها في أحايين كثيرة المائة ألف درهم، وفي أحايين أخرى تفوق ذلك. كما أن بعض المنشآت الطبية تلجأ لممارسة غير صحية، وهي تطلب من المريض الدفع مقدماً لتكاليف العملية الجراحية الدقيقة التي سيقدم عليها، وبعد ذلك يتابع بنفسه تحصيل المبلغ من شركة التأمين المصدرة لبطاقة تأمينه.
كما أن هذه الشركات أصبحت تتشدد في قواعد إصدار البطاقات المعززة لبعض الفئات، وفي مقدمتهم المرضى فوق 60 عاماً والمصابون بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والفشل الكلوي والسكري النوع الأول. على الرغم من أن أحكام قانون الضمان الصحي في أبوظبي، وفي غيرها من مناطق الدولة، يؤكد ضرورة توفيره، والخدمات المترتبة عليه، للجميع بغض النظر عن الفئة العمرية.
كل ما أرجوه أن تقدر المنشآت الطبية الخاصة، وكذلك شركات التأمين الصحي، كيف كانت أحوالها قبل تطبيق القانون، وكيف شارف بعضها على الإفلاس، وكانت الدولة مسؤولة بالكامل عن القطاع الصحي. واليوم عندما أتاحت لهم الفرصة، وتعاملت معهم كشركاء في تقديم الخدمات الصحية، أخضعوا الميدان لمعادلة العرض والطلب، واقتصرت نظرتهم على حصتهم من الكعكة. لذلك فالوقفة مطلوبة معهم لإزالة الغشاوة عن بصرها للتفريق بين صحة الإنسان وتجارة قطع الغيار.


ali.alamodi@admedia.ae