لو ذهب بشار الأسد، فلن يبكي عليه أحد، فالطغاة يذهبون ويخمدون كما تخمد نيران البراكين.. لكن ما سيبكي عليه السوريون ومعهم العرب المخلصون، هو هذا الوطن المدمر عن بكرة أبيه، والذي صار مشاعاً، متباعاً، لكل من يملك السلاح وكل من يريد أن يخرج ضغائنه وأحقاده، على كل ما هو إنسان ومكان.
سوريا تحترق كما احترق قبلها العراق، ثم اليمن وليبيا، وفي الهشيم السوري، تسري نيران المدججين بالطائرات، والدبابات، وكذلك الملثمين المزملين بالسواد وكراهية العباد والعالم لم يزل يحسب حسابات المصالح والأرباح والخسائر، والدم السوري يراق في الشوارع وأحلام أطفال سوريا تسير عارية في التيه، وعند حدود وقدود وسدود ونسمع أن بعض الجيران، بدأوا في التذمر، من تزايد الأعداد الهائلة من الذين شردهم ظلم ذوي القربى، ومضاضة السيف والحيف.
أنا على يقين من أن سوريا ستترك تنهش في عظامها وتأكل لحماً إلى أن تصير مزقاً وقدداً، وبعدها سيتحرك العالم للإغاثة بالسمن والطحين، لجياع لا حلم لهم غير قوت الوجبة الواحدة، أما المنتفضون من أجل الحرية، فسوف يمكثون في نفس فنادق الخمس نجوم، أو أنهم سيهبطون بالطائرات ويحلون ضيوفاً دائمين في قصور النظام المنتشرة كالوباء في أنحاء سوريا.
نقولها بصراحة، لن يدفع الثمن إلا هؤلاء “الغلابة” هم الأطفال والنساء، وفقراء سوريا، وسوف تظل أحلامهم في الدائرة الضيقة بغذاء تطعم الأفواه ولو حتى من مزابل التاريخ، كما فعل من سبقهم في الفورات.. لن يدفع الثمن، إلا الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يحصل، ويعرفون جيداً أن الصراع الآن، دائر حول من يحكم سوريا.. نظام استبدادي أم جماعات أقرب إلى طالبان يعرفون جيداً أن بلادهم أصبحت رهينة مصالح دول وتطلعات وطموحات جماعات لا يغريها شيء في الدنيا غير الأحمر الفاقع ونظام ليس أمامه ما سيخسره، فهو يقول الآن أنا ومن بعدي الطوفان، وفي الطوفان تتحطّم صروح، وتتهشّم ضلوع، وتضيع آمال، وتندثر أحلام، ويغيب عن الإنسان فكرة أنه يعيش في وطن، لأن تفكك الأوصال لا يستدعي غير التفكير كيف يحمي الإنسان نفسه، من آخرين، أصبحوا غرباء بعد أن كانوا أقرباء.
سوريا تحترق، بل هي عند مفارق الطرق، فيها من احترق بالنار وفيها من غرق في السعار، ولا فرق بين الأسود والأبيض ساعة ينثر الحقد غباره ونثاره، وسعاره، ودواره، وعاره، وأسواره، ولا فرق فعندما يذهب العقل، لا مكان للأمل ولا سبيل لأن تشرق المقل.


marafea@emi.ae