حينما خرجت تلك الزمجرة الأفريقية التي عادة ما تجمع وتوحد كل حيوانات الغاب، نكذب إن قلنا: لم ترتعد فرائصنا، أكثر من حادثة الصدم المفاجئة، لقد تحول ذلك السائق الذي كان يضاحك نجماً قبل قليل إلى حيوان متوثب ضاق به قيده، وجمح بسيارته الثقيلة شاقاً ذلك الشارع وسط أبواق وإشارات من مصابيح وسباب كانت تصل إلى أذني بالفرنسية، أما هو فكان يزبد ويتحرطم يريد الفتك بذلك الشاب الذي يعتقد أنه مرمط كرامته، وأعطب سيارته ولم يعتذر، وغافله وضحك عليه، ود.نجم خفت صوته بعدما كان محرضاً في البداية على عدم التسامح مع شخص مستهتر ومحشش ربما، رافعاً ضغط السائق الذي اكتفى بهز رأسه، وحواره الداخلي الصامت، حتى بدأت بدلته السوداء تضيق عليه، ويتعرق فيها وحده، كانت السيارة الصغيرة وسائقها الشاب الأرعن تتخشش بين السيارات بطريقة إنزلاقية، وصاحبنا “يتضارب” مع سيارته التي أصبحت أقرب للـ”كرفان” المتحرك، فمرة يرمينا يميناً، ومرة نتداعى شمالاً، والحقائب تتلاطم وحدها، وطارت تلك اللوحة الجدارية للفنان الفيليبيني البائس، واستقرت جنب مقعدي، فقلت لنجم وثّق حزام الأمان مرتين: أرى مع هذا السباق غير المتوقع أن السائق سيوصلنا للمستشفى مباشرة، وربما رقدت جنب زوجتك وبنتك، فظهرت من نجم عبارة بالعربية هي أقرب لكلمات الغضب تجاهه، لو ترجمت للفرنسية لعادت عنصرية، ويمكن أن يحاكم عليها، فحذرته، خاصة وهو ساكن لندن، ظل السباق غير متكافئ بين شوماخر بسيارته الصغيرة، وصاحبنا الذي كاد أن يقلبنا مرتين، وكاد أن يصدم مرتين، فيزيد من خساراته، خاصة حينما أنهى شوماخر السباق بدخوله في حواري ضيقة، يبدو أنه يعرفها، وصاحبنا كانت تضيق بسيارته الأسعاف، وأسماؤها غير مدرجة في جهازه الـ”جي. بي. إس” فكان مثل التائه يتخبط، وهو يغلي من الغيظ، فتحنحنت شاعراً بمرارة في الفم ويباساً، وخرجت من صمتي الثلجي، وقلت لنجم: “شكل هذه الحواري أقرب لـ”باربيس وكليشي” وهنا ضربة السكين بفلس، وإذا ما أمسكوا بنا فسنخسر حتى شنطك وساعتك الذهبية”، وتوجهت للسائق وقلت له: “ما أدراك أنه يجرّك إلى منطقته، وسيتعاونون عليك رفاقه، والشرطة ليست من مصلحتك أن يتدخلوا لأنهم سيغرمونك ويسحبون سيارتك، لأنك تعمل دون ترخيص”، فهدأ قليلاً، وتطايرت الأسئلة في رأسه، وبدأ مستسلماً، خاصة وأن شوماخر بدأ يستعرض، ويمشيّ سيارته على عجلتين، ويرتكب حماقات غير مسؤولة، وهنا تدخل نجم جاداً للمرة الأولى، وبشّره أنه سيزيد غلته، بحيث يمكنه إصلاح عطل سيارته التي لم تتأثر كثيراً، إلا بقدر ما يبين أي شيء في السيارة السوداء، اعتدل في جلسته، وسار قليلاً ثم مال للرصيف، وترجل يعاين أثر الحادثة، ويعيد ترتيب الحقائب المتطايرة، ويموضع تلك اللوحة الجدارية، ثم ركب، ونطق بالعربية المكسرة: الله كريم.. أنا مسلم.. الله فوق، وأشار بيده إلى الأعلى! amood8@yahoo.com