في حياتنا اليومية نكرر الكثير من الأمثال الشعبية عند الرغبة في تأكيد رأينا، أو لإضفاء صدقية اجتماعية على ما نقول، فالمثل الشعبي أو الأقوال المأثورة حتى تلك التي نستدعيها من ثقافات أخرى تلعب دوراً كبيراً في حياتنا الاجتماعية، من حيث المحافظة أو تكريس بعض القيم، والتنبه إلى بعض المخاطر واستنهاض الهمم، وتقوية الروح المعنوية للناس، وهذا هو دور الثقافة الشفاهية، أوالموروث الثقافي الاجتماعي بشكل عام، لكن الشيء الغريب أو غير المفهوم في أحيان كثيرة، هو أن بعضنا يكرر بعض الأمثال، أو الأقوال ذات الدلالة والمغزى، لكنه يفعل خلاف ما يؤكده المثل، أو ما يستدعي المثل لأجله !! كنت أتابع فيلماً جميلاً، حول حكاية الشاب الذي يلتقي فتاة أحلامه فيشعر منذ النظرة الأولى أن هذه هي من يبحث عنها، فيبدأ في تلاوة طقوس الحب وقصائد الإعجاب حول عينيها وصوتها ورائحة شعرها، وأخيراً تقوده الخطى للارتباط بها ثم يتزوجان، وتبدأ الحقيقة في الانكشاف تدريجياً، وينسى الرجل رائحة البحر التي قال إنها تفوح من شعر الصبية قبل أن يتزوجها فيغرق في أمور أخرى، كما أن رائحة الفلفل الحارة التي تنبعث من صوتها، ينساها في المطبخ، ويبدأ بمغامرات أخرى، فقد صارت الصبية زوجته يجدها في انتظاره كلما عاد للمنزل مساء !! الشاب في الفيلم افتتح مطعماً كان حلم حياته، وجعل زوجته طاهية فيه، وقد تألق اسم المطعم، وتزايد رواده بفضل أطباق ايزابيلا، إلا أن الشاب انشغل عنها بمغامرات نسائية قال إنه مضطر لها بسبب ضغوط العمل، كان دائماً ما يقول لها إن الإنسان لا يقدر قيمة الأشياء إلا حين تضيع منه، إلا أنه لم يفكر أن شيئاً سيضيع منه قريباً وعلى حين غرة، وبالتأكيد، فهو لم يتخيل أن يكون ما سيضيع فجأة هو زوجته نفسها، فأين ستذهب هذه المرأة البسيطة التي أتى بها من القرية وأحبها وأدخلها مطبخه الخاص، لقد كان واثقاً من أنها إذا خرجت إلى الشارع، فإنها ستتعثر في خطوتها الأولى! يتحول الحب الى أنانية غالباً، كما يمنحنا ثقة كبيرة في أنفسنا تصل حد اللامبالاة أو الغباء أحياناً، فحين عاد ذات مساء إلى المنزل كانت ايزابيلا قد قررت الخروج تماماً، بحثاً عن حياتها ونفسها ونجاحها، تعثرت ولم تعرف كيف تتصرف، لكن المصادفات كانت تقف إلى جانبها، ولقد نجحت وصارت نجمة في عالم الطهي والإعلام، وحين عرف مكانها ذهب ليستعيدها، ويذكرها بالحب والأحلام والذكريات، لكنها كانت قد قايضت النجاح بالحب وكل الأحلام !! قالت لها الساحرة ستنجحين وتصيرين نجمة مرموقة وثرية وسيتهافت عليك المعجبون، لكن ذلك الحب سينتهي إلى غير رجعة ، ستأخذه الجنيات وتطمره في أعماق المحيط ، ولقد وافقت، فلا شيء يأتي بلا ثمن أو يضيع منا بلا مقابل، هذه هي الفكرة الرئيسية، فحين نضحي بقيمة كبيرة لنحصل على هدف يراودنا، فإن علينا أن نفهم بأن المثل الشعبي القائل ( من بغى شيئاً ترك شيئاً) مثل صحيح، وأن الإنسان لا يعرف قيمة الأشياء إلا حين تضيع منه، لكن الوقت ساعتها يكون متأخراً جداً !! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com