الفن ليس مجرد منتجات ووسائل للفرجة أو التجارة أو للتسلية فقط، إنه أفكار عظيمة وخطيرة في تاريخ الإنسانية، الفن بكل أشكاله: الرسم، الموسيقى، التمثيل، الفيلم السينمائي، المسلسل التلفزيوني، الصورة الفوتوغرافية والمسرح، وغير ذلك هو في جوهره إرث واختراع وإنتاج إنساني هائل التأثير وليس مجرد “أشياء” تصنع وتستهلك وترمى أو تنسى، أكل أشكال وأنواع الفن قائمة ومرتكزة على قيم وعلى منظومة أفكار، وحين يستخدم هذا الفن بالشكل الصحيح فإنه يحمل رسالة ويخدم هدفاً ويستغل في سياقات كبرى وخطيرة تعمل على توجيه المجتمعات وتنحت عميقاً في عقول وذهنيات الناس بشكل يصبح تغيير ما نحتته صعباً جداً على المدى الطويل!! كأجيال مختلفة ومتعاقبة فإننا ندين لكثير مما نعرف ونعتقد لهذا الفن، إن كثيراً مما تراكم في عقولنا أو في لا وعينا عبر هذا الفن قد لا يكون صحيحاً، وربما يكون مشوهاً أو مبالغاً فيه إلا أنه وصلنا ولسنوات طويلة عبر الفيلم والمسلسل والمسرحية والأغنية والصورة، حتى أن هناك صوراً تحولت في وعينا إلى حقائق ندافع عنها بشراسة حين نستحضرها أو يدور النقاش حولها، مع أننا لم يسبق أن تعرفنا بها على أرض الواقع، لقد تسربت إلينا عبر ما شاهدناه منذ الطفولة، وعقل الإنسان في طفولته كما يقول الفلاسفة كصفحة بيضاء تترك التجارب المعرفية أثرها عليه سريعاً وقوياً وأحياناً بشكل دائم! لقد شكلت السينما على الدوام أداة ضاربة في الاستراتيجية الثقافية لدولة كالولايات المتحدة وفرنسا مثلاً، وأداة خطيرة لترويج الأفكار، ولو عدنا لمجموع الأفلام التي أنتجتها هوليوود لترويج فكرة المحرقة اليهودية أو ما يعرف بالهولوكست لعرفنا على وجه الدقة كيف تحولت الكذبة إلى حقيقة وكيف تحولت الخرافة إلى ركيزة في العلاقات الدولية وفي القانون الدولي، اليوم فإن أي شخص مهما علت مكانته يمكن أن يتعرض للمحاكمة والعزل السياسي والاجتماعي إذا فكر في أن يشكك في حقيقة المحرقة أو يسخر منها، في حين أنه يستطيع وبسهولة السخرية من الأديان والمعتقدات والرموز الدينية وسيجد له المجتمع في القوانين والدساتير ما يحميه من طائلة العقاب، فلقد أنتجت هوليوود الكثير مما يمجد الحريات وحقوق التعبير!! لا يمكننا كمشاهدين أن نمحو من الذاكرة ملايين المشاهد التي شكلت قناعات ثابتة في داخلنا عن نوعية الحياة في المدن والقرى العربية، وعن طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل، وعن مكانة المعلم والموظف والقيم، وعن تراتبية السلطة في المؤسسة العربية، وعن تفشي الفساد فيها، وعن مكانة الإنسان كمواطن في صلب اهتمامات السلطة العربية والمسؤول العربي وغير ذلك مما تحول إلى صور نمطية تحولت مع تكرار المشاهدة وضخ الصور إلى ثوابت نمت حولها توجهاتها ونظرتنا إلى أنفسنا وتقييمنا لذواتنا وللحياة في بلداننا وللسلطة والمواطنة، وقد يكون جزء كبير من كل ذلك غير صحيح! ليس كل ما يقوله صانع الفيلم والمسلسل حقيقة، لكن سطوة الصورة ونفوذها على الوجدان الإنساني لها فعل السحر فينا وتقوم بما تعجز عنه التربية ومناهج التعليم، لذا علينا إعادة التفكير في طريقة استغلالنا لمجمل الفن!! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com