لسنا نعرف على وجه الدقة متى بدأ اهتمام الإنسان بالموسيقى، فإذا كان باستطاعة علماء الإنثربولوجيا أن يخمنوا الحقبة التي ظهرت فيها بعض الفنون التشكيلية، فإن تاريخ بداية الموسيقى صعب تحديده أو حتى تخمينه، لعدم وجود أية شواهد أو أدلة مادية في الرواسب والبقايا الآركيولوجية التي عثروا فيها على نماذج ورموز، تشير إلى أشكال من الفنون البدائية الأخرى، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى أن أقدم الصور والخطوط والرسوم الفنية قد ظهرت في وادي الرافدين، فترة الحضارة السومرية، باعتبارها أقدم الحضارات البشرية «ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد»، وقد دلت تلك الرسوم على أن أقدم الآلات الموسيقية التي عرفها الإنسان القديم، هي القيثارة السومرية «الهارب» المصنوعة من الخشب المطعم بالصدف والأحجار الثمينة، ولها اأوتار من الجلد عثر عليها المنقبون في المقبرة الملكية بمدينة أور، كما كان السومريون ينقشون الآلات الموسيقية ويرسمونها على جدران القصور والأماكن العامة. ومع ذلك، فإن ظهور الآلة الموسيقية لا يشير بدقة إلى بداية معرفة الإنسان بالموسيقى إلا بمفهومنا المعاصر، فقد عرف البدائي الموسيقى من خلال صلته الفطرية بالطبيعة، حيث في الطبيعة يكمن إيقاع الحياة والكائنات والعناصر، وإذا كان الإنسان قد بدأ في تقليد تلك الإيقاعات فإنه تجاوز التقليد إلى الإيحاء بها، وهو إذ ينتبه إلى أن تلك الإيقاعات ليست منتظمة في ذبذباتها، فإنه سوف يعمل على خلق ذلك النظام الذي أدى فيما بعد إلى نشوء علم الموسيقى المبني على قواعد رياضية للأنغام وتسلسلها في ما يعرف بالسلم الموسيقي، فالموسيقى هندسة صوتية ذات وسيلة فذة تستخدم بإشارات وعلامات فارقة، أاصبحت تقرأ وتكتب كالإبجدية. وقد جاء في أبحاث العلماء الموسيقيين أن الموسيقى فن زمني تتم حركاتها الموسيقية خلال التعاقب الزمني بصورة توافقية متتالية. تتولد عن هذا التعاقب قوة مؤثرة في النفس البشرية، تثير فيها انفعالات متباينة وفق تباين الإيقاع الموسيقي، فالموسيقى إذ تكون هادئة خافتة فإنها تتوغل عميقاً في النفس، تروض التوتر والقلق، وتأخذ الإنسان إلى عوالم خفية مليئة بالطمأنينة ويقظة الحواس والإحساس بالانسجام مع الكون. وحين تكون صاخبة فإنها تدفع به إلى الحماس والحيوية والنشاط والصخب. ولم تكن الموسيقى عند الشعوب البدائية مجرد وسيلة للطرب أو قضاء وقت الفراغ والترويح عن النفس والاستمتاع، بل كانت لها وظائف اجتماعية قلما نجد لها مثيلا في المجتمعات المتطورة، فقد كانت وسيلة للاتصال ونقل الرسائل والمعلومات عبر المسافات الشاسعة. وكان الطبل عند الإنسان البدائي يعتبر رمزاً للقوة السياسية، أما الدف فقد كان مقدساً ويعتبر شعاراً للسيادة والسلطة وحماية المجتمع من الخطر، لذا فإنه لا يقرع إلا في مناسبات خاصة، بل إنه يتمتع بمنزلة اجتماعية عالية وله حقوق تماثل حقوق الملك نفسه في بعض الأمور، والطبول تقرع على شرف ذلك الدف، كما كان الناس يصفقون له ثلاث مرات حين يمرون أمامه. وللحفاظ عليه من التلف، يدهنونه بالزبد وبدم بعض أنواع من الثيران التي تذبح قرابين للآلهة…. حمدة خميس | hamdahkhamis@yahoo.com