في الوقت الذي يتجه فيه الاقتصاد المحلي نحو تعزيز دور القطاع الخاص، وتعمل الكثير من المؤسسات والشركات الوطنية على إسناد مجموعة من الخدمات والأعمال إلى شركات متخصصة سعياً وراء تخفيض التكاليف، تحت اسم ما يعرف بـ «التعهيد» أو الخصخصة، تبرز قضية توطين الوظائف التي ستتضرر بلا شك نتيجة اتساع نطاق عمليات التعهيد، خصوصاً في المجالات التي تسند لهذه الشركات. فهناك العديد من مجالات العمل التقنية والخدمية، خصوصاً لدى قطاع الاتصالات والقطاع المصرفي والمالي وغيرهما من القطاعات، تم إسنادها إلى شركات أجنبية أو ذات كوادر أجنبية، وهو ما يعني أننا قد لا نجد مواطنين يعملون في هذه المجالات مستقبلاً. المشكلة قد لا تقف عند هذا الحد، فإذا توسعت المؤسسات والشركات والبنوك في هذا التوجه، فإن ذلك سينعكس على وجود المواطنين في قطاعات مهمة، تشمل تكنولوجيا المعلومات وبعض المجالات الهندسية المتخصصة، وسنجد أنه بدلا من أن نشجع طلابنا على التخصص الدراسي في هذه المجالات التي يراها الكثير من الخبراء من التخصصات المطلوبة في سوق العمل، سنرى إحجاما من طلابنا عن دخولها، وستكون هذه نتيجة طبيعية إذا ما اتسع نطاق التعهيد، وأصبحت هذه الوظائف حكرا على الشركات الأجنبية المتخصصة، فيما تكون العناصر المواطنة خارج هذه المعادلة. أنا لا أدعو إلى وقف أو منع خطط الخصخصة أو التعهيد لدى هذه الجهات، ولكننا بحاجة إلى بعض الحلول التي تحقق التوازن بين احتياجات المجتمع المحلي وبين احتياجات الشركات والمؤسسات والقطاع الخاص، وأعتقد أنه من المهم إلزام الجهات التي تتجه إلى التعهيد بمجموعة من الشروط، أهمها تحديد نسب معينة للمواطنين في الوظائف والمجالات التي يتم تعهيدها بما يتراوح بين 10 و20% كحد أدنى، على أن تتحمل هذه المؤسسات الفوارق المالية في الرواتب المخصصة للمواطنين، كنوع من مسؤولياتها تجاه المجتمع. مثل هذه الشروط ستضمن تحقيق أهداف هذه الجهات في تقليص النفقات، وستوفر في الوقت نفسه حداً أدنى من فرص العمل للمواطنين بالمجالات المعنية، وهو الأمر الذي يتفق مع جهود الدولة المتواصلة لدعم وتشجيع التوطين في مختلف المجالات، وإضافة إلى ذلك، ستسهم هذه الشروط في تدوير جزء من أموال الشركات والمؤسسات الوطنية داخل السوق المحلية، بدلا من خروجها إلى أسواق أخرى، على اعتبار أن الكثير من الشركات التي تسند إليها المهام في عمليات التعهيد، هي شركات أجنبية أو ذات كوادر أجنبية. إن الاتجاه إلى التعهيد بحاجة إلى إجراءات تضمن عدم تحول هذا التوجه إلى «معضلة» تواجه التوطين، فقد نرى خلال السنوات المقبلة زيادة في إقبال جهات العمل على هذا النمط، ومن المهم وضع معايير تضمن توفير فرص العمل للأجيال القادمة من مواطني الدولة في المجالات المختلفة، وهو الأمر الذي يتطلب قدراً من التوازن بين مصالح الشركات واحتياجات المجتمع. حسين الحمادي | h ssain.alhamadi@admedia.ae