عندما تختلف مع شريحة من الناس، فإنهم سوف يفلقون رأسك، ويقتلعون جذرك، ويصفونك بأفظع وأشنع الأوصاف ليس لشيء وإنما لأنك اختلفت وتنوعت، وتفرعت، وفندت ما يستحق التفنيد، ووضعت إصبعك على موضع الألم. البعض مستعد أن يحرق الدنيا ويحترق، ولا يتزحزح عن البؤرة السوداء التي وقع فيها قيد أنملة، معتقداً أنه أمسك بزمام الحقيقة، ومن خالفه فهو كائن شاذ ناشز، ويستحق وضعه في نفاية التاريخ، ولو حاول وجاهد أن يفسر أو يسفر عن وجهة النظر المغايرة لتلك التي يعتنقها من عداه، فلن تجدي المحاولات ولن يستمع إليه أحد، لأن الأجندة واضحة، وتمضي في الاتجاه الواحد، كعربة القطار، والتصنيف معد مسبقاً، فإما أن تكون معي في الغي والطغيان، أو ضدي، فلك اللعنة والبغض والكراهية والشنآن. إذا نحن أمام ظاهرة تحتاج إلى تفسير علمي، لماذا نحن أحاديون؟ كيف تفشت هذه الأحادية في صفوف شريحة معينة، على الرغم من أن رسالتنا كونية عالمية إنسانية، ورسولنا الكريم خاتم الأنبياء، فلا بعده نبي ولا يجوز لأي مدعٍ أن يمتطي الموجة ويذهب بالدين بعيداً نحو صحارى فكرية جافة متعجرفة مُسفة متعسفة.. رسالتنا جاءت لأجل الناس أجمعين، شعوباً وقبائل، لأجل التوحيد والتنوير، وإنقاذ الناس من عبادة الأصنام والأوثان، وتحريرهم من الأوهام والغطرسة، وانتفاخ الأنا، وتورم الذات وكره الآخر، وإن خاطبتهم عبسوا وتولوا، وأشاحوا في وجوم، ونشروا الغيوم ونثروا السموم، ورجموا النجوم، وقالوا نحن ولا أحد بعدنا ولا توسط بيننا. شريحة تعد من الصفر إلى الواحد، ومن الواحد إلى الصفر، وتحشو الدهر بتعاويذ أقرب إلى التهاويم الشيطانية، وتمارس وعياً غوغائياً، فاتكاً هاتكاً شائكاً، مسربلاً بأهواء، مغربلاً بأنواء، مجندلاً بأدواء. شريحة فهمت الحياة على أنها اندحار وانتحار، وانكسار ودوران حول النفس، وفوران داخل دائرة مغلقة، لا نفس فيها ولا حس. شريحة لا تعترف بالعقل، بقدر ما تنغمس في أتون محفوظات خرجت عن إطار الدين الإسلامي الحنيف، وذهبت بعيداً في متاهات اللغو والهرطقة وانسداد الرئة، ونشيج الروح. شريحة عندما تختلف معها، تقول لك أنت مارق نزق، ثم تبدأ في التأليف والتحريف، والتغليف والتسويف والتجديف، ولا مفر من لعناتها وغضبها. شريحة تريد أن تمارس حق الوجود على حساب الآخر شريحة تفكر بأحلام ما قبل التاريخ لتسبغها على التاريخ، وتحلم بأفكار الذين قالوا “عنزة ولو طارت”.. شريحة تفترش الدين بأنياب السياسة، فيضيع الدين وتتهور السياسة، وتصير الأوطان وجداناً مجروحاً، وأغصاناً مهشمة.. شريحة تجازف بالضمير والقيم والشيم، وأحلام الناس وأمنياتهم، من أجل تحقيق ما يحدث في أحلام الليل، وما يصوره الحمل الكاذب أو أفلام الخيال العلمي أو ما يخربشه الأطفال على جدران اللهو والعبث أو ما تحكيه العجائز من “خراريف” الليل، لأطفال داهمهم السغب. شريحة استبدت بالأحادية حتى صارت جبلاً من طين، وأنيناً يتبعه أنين، وبقايا وطنيناً. علي أبو الريش | marafea@emi.ae