تقودنا الملاحظات العابرة إلى انطباعات مختلفة، أما الملاحظة الدقيقة والثابتة بغرض دراسة حالة أو ظاهرة معينة في المجتمع فإنها غالبا ما تجعلنا نكون رأيا أو نصدر حكما ما، وأحيانا تدخلنا الملاحظة في دراسات معمقة وبحوث علمية، لن نتحدث عن البحوث والدراسات لكننا من المهم أن نتوقف قليلا ونحن نصدر أحكامنا على ما يحيط بنا من أشخاص وظواهر فليس أسهل من إطلاق الأحكام وليس أصعب من إخضاعها للنقاش والجدل والمراجعة، فالناس في عالمنا العربي تميل عادة إلى التمسك بآرائها وأحكامها ولا تقبل التنازل عنها، أنهم يربطون بشكل خاطئ بين الرأي أو الحكم وبين الكبرياء الشخصي، وهنا مكمن العلة. عادة ما نتسرع في إصدار أحكامنا، تلك سمة ملاحظة في الشعوب والمجتمعات العاطفية أو التي تحكمها العاطفة أكثر من العقل والموضوعية، ونحن شعوب عاطفية بالفطرة وبحكم تراكم الخبرة التاريخية، هذا ليس ذما أو قدحا في الشخصية العربية فالعاطفة ليست شرا مطلقا كما أن التعقل والموضوعية ليس خيرا مطلقا على طول الخط، ولذلك فإن خير الأمور أوسطها، ولذلك فإن من أكثر سمانتا رقيا كأمة وثقافة أننا “ أمة وسطا” بنص كتاب الله عز وجل. حين اقرأ عن ثقافة أو عادة أو سلوك القراءة بين الشباب في مجتمعنا، على أساس أن هناك عزوفا مؤكدا لدى الشباب عن القراءة الجادة حيث تعتبر القراءة كثقافة واحدة من العادات المضمحلة وغير المنتشرة بينهم فهم يفضلون عادات وسلوكيات أقل مستوى وأكثر رعوية واستهلاكية وسهولة !!، إن أولى الملاحظات العابرة على هذا الحكم أنه متسرع جداً وغير مدروس بشكل علمي وعميق وهو واحد من كليشيهات المجلات الأسبوعية وحتى الصحافة اليومية أحيانا، دون أن يعني ذلك أن الحكم لا جذر له في الحياة الواقعية، لكن الحكم المطلق كنتيجة نهائية يشبه إطلاق حكم إدانة دون السماح للمتهم بتقديم دفوعاته التي ربما تخفف الحكم عليه بعض الشيء !! فقبل أن نصدر الحكم بهذه الصيغة “ الشباب الإماراتي أو العربي لا يقرأ “ لابد من أن نبدأ الحكاية من البداية فالنتيجة رهن بالمقدمات فهل نشأت الأجيال في بيئات تشجع وتدفع وتعلم القراءة ؟ هل كانت القراءة سلوكا حياديا في الأسرة ؟ هل كانت مكتبة المدرسة بيئة جاذبة ومكانا مفضلا وعتادا للطلاب ؟ هل يٌعطى الطالب القارئ والمثقف قيمة عالية في المدرسة والمجتمع كي يصير قدوة ومحط الأنظار كما هو لاعب كرة القدم والمطرب والراقص ؟ هل الكتاب متاح للشباب من حيث الأسعار ومكتبات الأحياء ومكتبات المنازل و.... إلخ ، هل يجد الطالب وقتا للقراءة يوميا كحجة إلزامية أو كواجب يحول القراءة إلى قيمة حياتية وأخلاقية في حياة الطلاب ؟؟ الأسئلة كثيرة جداً ولو أننا تتبعنا الإجابات بدقة وأمانة لترددنا كثيرا في إصدار حكم الإدانة، تماماً كما قال لي أحدهم الناس لم تعد تقرأ هذه الأيام أبدا، لقد طغى حس الاستهلاك المادي عليهم فتدهورت أذواقهم وحتى أخلاقهم أصبحت شرسة وصعبة بسبب ذلك لأن القراءة ترقى بالإنسان وبذائقته و.... قلت له تأمل حياة الموظف - وأغلب الناس اليوم من الموظفين - منذ أن يصحو من نومه إلى أن يعود من عمله مساء ثم قل بهدوء وموضوعية أين هو الوقت وهدوء البال وتوافر الرغبة والمزاج الذي من الممكن أن يدفع للقراءة، هناك من يقرأ حتما لكن سمة العيش في مدن اليوم المشحونة بالضجيج والسرعة والصراعات والأمراض والانشغالات لا تترك مجالا لممارسات راقية من نوعية القراءة، دون أن يعني الكلام أن لا أحدا يقرأ رغم كل هذه الظروف !! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com