بعد طول انتظار جماهيري، بدأ عرض الحلقات الجديدة من المسلسل التركي “حريم السلطان” في جزئه الثاني، وحسب ما أتذكر فهو المسلسل الوحيد الذي حسم موعد عرضه عبر استفتاء جماهيري عبر وسائل الإعلام، ما أضاف للعمل هالة من الأهمية القصوى ومن التأكيد أكثر على مدى جماهيريته والنجاح الكبير الذي يحققه عرض جزئه الثاني كما حدث مع الجزء الأول، وهنا فنحن لسنا أمام ظاهرة فنية غريبة أو نادرة تحدث للمرة الأولى، ففيما سبق كانت هناك مسلسلات وأفلام حظيت بذات النجاح والاستقطاب الجماهيري الذي وظفته مؤسسات الإنتاج لصالحها بشكل در عليها عائدات مالية قدرت بالملايين، طالما أن هذه الأعمال تضع يدها على نقطة الضعف الحقيقية للجمهور أو تغازل الزوايا الخفية التي تشكل احتياجات واهتمامات هذا الجمهور !! و”حريم السلطان” لم يحظ باهتمام ومتابعة الجمهور فقط، ولكنه حظي أيضا بانتقاد قطاعات واسعة من النقاد والإعلاميين ورجال التاريخ والدين ممن رأوا فيه مغالطات تاريخية فاضحة بحق السلطان سليمان حسب آراء هؤلاء، كما هاجمه بعض ممن وجدوا فيه ترويجا لفكرة تسليع المرأة فنيا وتحويلها إلى مادة للفرجة وكسب المال وطبعا لإثارة غرائز الرجال بتقديم هذا الكم الهائل من الـ “الحريم” الجميلات ضمن فضاء عالم الحرملك السلطاني العثماني ! يعود حريم السلطان بالفكرة نفسها مكررا حكاية العلاقة الحميمة التي سرعان ما تربط السلطان المجاهد وصاحب الفتوحات، بالمرأة الفائقة الجمال التي تجلب لبلاطه أو للحرملك ضمن سبايا الحروب وغير الحروب، للدرجة التي تتحول حركة السلطان - الذي يدير نصف العالم ويغزو نصفه الآخر - إلى مجرد مناورات مراهق أو عاشق من النظرة الأولى، فيتساءل المشاهد كيف غزا هذا السلطان أوروبا وهزمها ووسع امبراطورية العثمانيين بينما يقضي اغلب أوقاته يطارد أميرة مسبية هنا وجارية مليحة هناك ؟ أم أن هذه طبيعة ذكورية بحتة يتمتع فيها الرجل بقدرة الفصل بين القضايا والاهتمامات بعجائبية فائقة !! لماذا يحظى “حريم السلطان” بهذا الإعجاب والمتابعة منقطعة النظير وبين الرجال والنساء معا ؟ أغلب الظن لان هناك عدداً هائلاً من جميلات الفن التركي يمتلئ بهن المسلسل الأضخم إنتاجاً، ولأن بذخ الإنتاج مغر بالمتابعة فعلاً، ولأن الصنعة الدرامية التاريخية متقنة حد الإبهار، ولأن التاريخ كمحرك رئيس في الدراما - أي دراما - يشكل عامل جذب للجمهور لا يمكنه مقاومته، ولأنني أعتقد بأن أي مشاهد رجل يرى في نفسه السلطان سليمان محاطا بحريمه الفاتنات من أمثال هيام والأميرة إيزابيل، كما أن أي امرأة تتمنى أن تكون هيام بكل هذا البذخ الذي تعيشه والاهم بكل هذه الرومانسية التي يغدقها عليها السلطان سليمان المعظم !! يستمتع المشاهدون حقاً بمتابعة العمل، لكن إن كان صناعه قد ارتكبوا مغالطات متعمده لأغراض في نفوسهم أو لخدمة الهدف التجاري فإن الأولى هو التصحيح الموضوعي العاجل وليس المطالبة بمنع العمل كما يحدث دوما عندما نواجه أية تجاوزات بحق التابوهات الثقافية والتاريخية والدينية. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com