حتى تتحقق الأحلام الكبيرة، عليها أن تبدأ صغيرة .. أن تنبت في الصدور وعلى الأرض، تُروى من نبع الأماني، وشيئاً فشيئاً، تتحول إلى أشجار لها جذور، ولها رائحة، وظل. هكذا رأيت مشروع «الأولمبياد المدرسي»، الذي أعلن عنه منذ أيام سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، مدشناً فصلاً جديداً من فصول دعم القيادة لأبناء شعبها في المجال الرياضي، فالمشروع الذي حظي بمباركة على أعلى المستويات، يمثل توجه الدولة بكامل أجهزتها إلى الهرم الرياضي، لإعادة بنائه من الجذور، حتى يصبح في المستقبل بنياناً شامخاً وراسخ الأركان. سنوات عديدة، ظللنا نتأرجح فيها بين اليأس والرجاء، مرت علينا خلالها ذهبية الشيخ أحمد بن حشر، كبريق وسط ضباب الانتظار الطويل، وفي كل مرة، ومع كل موعد يتجدد بعد أربع سنوات، نبدأ نشعل فتيل الأماني من جديد، لكن المحصلة ذاتها، والمشاهد نفسها، وحتى ما نقوله وما نردده، وربما أيضاً ما نحسه، حتى أدمنا التكرار واجترار الماضي. في كل مرة، ينظّر المنظرون، ويجتهد المجتهدون، وتطل الاستراتيجيات والفعاليات، لكن أحداً لم يرد الغوص في العُمق، حيث الجذور.. لكن أحداً لم يرد المواجهة وخوض حرب مع ميراث من «المتواليات» يشد بعضها بعضاً، وتحتاج إلى جهد كبير للتخلي عنها، حتى جاء المشروع الجديد، ليعبر عن رغبة عامة وسامية في أن نبني الحلم من حيث يجب أن يبنى. الأمانة تقتضي أن نشيد بمبادرات شبيهة، سارت في السياق ذاته في السنوات الماضية، لعل في مقدمتها المشروع الأولمبي المدرسي الذي أطلقه مجلس أبوظبي الرياضي وحقق نجاحات مشهودة، وغيره من المشروعات والمبادرات، لكن أن تتصدى اللجنة الأولمبية هذه المرة لمشروع بهذا الحجم، فهنا موطن الاختلاف وأيضاً موطن التميز، والأهم أنها رسالة بأن الدولة بكامل هيئاتها ومجالسها ووزاراتها هي التي تريد، وهي التي تسعى. المشروع بدأ كبيراً، لأسباب عدة، في مقدمتها الرعاية التي يحظى بها من أعلى المستويات القيادية، وثانيها، هذا الاستقبال الحافل له من أطياف الوسط الرياضي وقياداته، ومن الشارع الإماراتي الذي يعي مثل هذه الرسائل ودلالاتها جيداً، كما أنه بدأ كبيراً لأنه يدشن لحلم كبير، نراه قريب المنال إذا ما سلكنا الطريق الذي اخترناه بوعي وإدراك لخطواتنا، وإذا ما تخلصنا من أثقال الماضي التي أعاقت تقدمنا كثيراً. المشروع بدأ بست لعبات، أراها كافية ووافية، وأراها مناسبة لطبيعتنا، فألعاب القوى والجمباز والسباحة والرماية والقوس والسهم والمبارزة، لعبات أولمبية، لها لدينا رصيد لا بأس به، ونحن مؤهلون إلى أن نرتقي فيها سلم المجد والبطولات، إذا ما ركزنا عليها، وإذا ما ترجمنا هذه الرؤية إلى واقع نبيت ونصحو عليه، أملاً في نهضة رياضتنا وتقدمها. هناك الكثير من الدول، ربما لا نسمع عنها إلا مع كل دورة أولمبية، ومنها جامايكا، التي راهنت على ألعاب القوى، فتقدمت على الكثير من الدول، التي هي أغنى منها وأكبر منها، فوق منصات التتويج، ومثل جامايكا، هناك الكثير من الدول التي اختارت لنفسها طريقاً، مثلما نفعل نحن اليوم، وإن شاء الله، سيأتي علينا صباح، نحتفل مع مطلع شمسه بنصر كبير، طالما أننا نريد. كلمة أخيرة: الأحلام تستعصي فقط على من لا يصدقها محمد البادع | mohamed.albade@admedia.ae