يتطلع الفنان من خلال الفن، إلى إيجاد بيئة متكاملة ومستقرة، بيئة واضحة المعالم متماسكة، ليتمكن من خلال هذه البيئة المتكاملة من الانطلاق بكل ثقة نحو الإبداع، وربط خيوط الفن بالمجتمع، ويشكل الفنان عبر أدوات الفن الرؤية الفنية الخاصة به والممتدة نحو الآخر الغائب والحاضر عن خيوط الفن، حيث المشاهد غائب بفكره، لانشغاله بملذات العصر المتمدن، إلا أنه حاضر أحيانا بجسده. ??? يمسك الفنان بالسكين الحادة، يسطح قاعدتها، يبدأ بتلطيخ القاعدة المسطحة للسكين بالألوان أو الطين، ليكون عبر ضربات السكين أشكالاً كبيرة، ومن ثم يدخل في تفاصيل الرؤية الفنية، عبر رموز دقيقة موجودة داخل الأشكال ذات الحجم الكبير، وأثناء عملية ضرب الألوان على القماش يلتزم الفنان بالصمت، بينما الدماغ يكون متشبعا بالكلمات المرصوصة والمكتضة برؤيته، ويتدخل الفن فيصوغ رؤية الفنان، ليشمل رؤية الآخر الغائب وقت الإنتاج، حيث تمتزج رؤية الفنان مع رؤية الآخر، وتخرج للمجتمع الخارجي على هيئة رؤية الفن. ??? قد يستغني الفنان، عن السكين المسطحة الملطخة بالألوان واللوحة، ويستبدلها بأغصان الشجر والورق، ويبدأ بتجسيد نفس الرؤية الفنية، ولكن بمنتج يتم ضمه ضمن فن الأرض، سيمفونية الأوراق المربوطة بغصن الأشجار، والمتشكلة على هيئة أشخاص، يراقصون الفنان والمشاهد، سيمفونية ذات إيقاع مطابق لإيقاع اللوحة، إيقاع يمزج بين رؤية الفنان ورؤية المشاهد، من أجل ولادة سيمفونية الرؤية الفنية. الرؤية الفنية لا تكمن في الموجودات المحيطة بالإنسان، ولكنها تنبع من الداخل، إذا غابت الرؤية الفنية وتوقفت عن الجريان في داخل الفنان، بسبب العوائق والسدود، فإن المنتج الفني يذبل ويموت، فيرفضه المشاهد، بل يرمي به الفن في قمامة الدادائية، وإذا كانت الرؤية الفنية واضحة ومندفعة في داخل الفنان، فإن المنتج الفني يكون قوي البنيان، وقادراً على الصمود أمام ثورة أعداء الفن. يتعمد الفنان إقحام المشاهد في عملية الإنتاج في بعض الأحيان، لكي تصبح الرؤية شاملة، ذات نداء مسموع ومحسوس من قبل المجتمع الخارجي، حيث يترك الفنان المشاهد يتجول بين قضبان عملية الإنتاج، تارة يرسم مكان الفنان وتارة أخرى يربط الخيوط المتناثرة في ساحة العرض. ??? اللغة الناطقة المستخدمة في عملية العرض، تحت راية رؤية الفن تخاطب عقل المشاهد، بلغة يفهما كل البشر، والفنان ينتقي اللغة الناطقة وينقحها بحسن اختيارها، ومن ثم يلقيها عبر خطاب الفن، فيسمع المشاهد خطاب الفنان وهو مدرك أهمية هذا الخطاب الفني، لأنه عالم برؤية الفن الذي يقدمه. الرؤية الفنية رؤية شاملة لمعطيات ومتطلبات العصر المتمدن والمتقدم في العلم، وهي رؤية تطالب الدول الكبيرة بالتوقف عن عملية التهام الشعوب الفقيرة، وتسعى إلى إنهاء التلوث البيئي، وتعزز حب الهوية لدى الأفراد. هدى سعيد سيف | science_97@yahoo.com