من المتعارف عليه في السياسة كما في الأخلاق وفي الحروب كما في الثورات، أن كل شيء وكل مبدأ قابل للاستغلال والتوظيف، وفي مظاهرات ومصادمات الأيام الماضية التي ترتبت على انتشار فيلم ساقط المعنى والإنتاج والمستوى، لم يخل المشهد من التباسات وتباينات فالبعض من المسلمين اتهم البعض الآخر بعدم محبة الرسول أو الغيرة على الدين، لمجرد أنهم أدانوا الاعتداء على السفارات وقتل الأبرياء، بينما اتهم الفريق المقابل جموع المحتجين بالغوغائية وعدم الاحتكام إلى العقل والمنطق، وبالإساءة إلى الدين والرسول الأكرم، بما قاموا به من قتل وتخريب واعتداءات!! ولم تجتمع الأغلبية في العالم الإسلامي على رأي قاطع تلتف حوله وتلتزم به، وكأنه لا مرجعيات تقود الرأي العام في أوقات المصاعب الكبرى، فترك الأمر للشارع يتحرك بما تمليه عليه مشاعره وحماسته، وهنا مكمن الخطورة والتساؤل الأكبر! لماذا يلتزم قادة الرأي والمرجعيات الفكرية الصمت في أوقات الفتن والمفاصل التاريخية الحاسمة؟ لماذا يرمي أهل السياسة بالبراجماتية والنظرة النفعية في كل حين وإذا جاء وقت الحسم تركت لهم - أي لأهل السياسة - كلمة الفصل؟ عن نفسي لم أسمع في أزمة الفيلم الأخيرة رأياً فكرياً أقنع الشارع الإسلامي أو نجح في اجتذابه لدعوته، بينما نجح أهل السياسة على الأقل في تحديد مواقفهم بوضوح حتى وإن لم يقنعوا الجماهير بها! هل لدينا أزمة علاقة بين الشارع ومرجعياتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية؟ لقد كتب أهل الإعلام آراء متباينة ومتباعدة أحياناً في طروحاتها ومواقفها لكنهم لم يصلوا إلى الشارع ولم يؤثروا فيه، لماذا؟ ليس لأنهم غير مؤثرين حسب ظني ولكن لأنه في العالم الإسلامي وحتى العربي، لدينا شوارع وليس شارعاً موحداً، ولدينا آراء عامة وليس رأياً عاماً واحداً أو موحداً، وقد قال أهل الدين كلمتهم لكن الإشكالية هنا أنه لا تأثير للأزهر على الشارع الباكستاني المسلم، ولا أهمية للمفتي السعودي لدى الشارع الإيراني المسلم، ولا أثر للمفكرين على الناس في بلدان الخليج كما ينبغي، وأما في بلدان الثورات فقد انكسر الكثير من الأيقونات الثقافية وأزيحت أسماء ورحلت أسماء واحتلت المشهد وجوه أخرى، والمحصلة أزمة مرجعية حقيقية، أي أزمة ثقة واضحة! المشهد البشري المحتشد أمام السفارات يهز أبوابها ويتسلق أسوارها ومبانيها، يدفع للخوف وليس للزهو أو الفخر كما قال أحدهم مشيراً إلى أن النخوة الإسلامية قد انبعثت مجدداً بفضل الثورات، هذا ليس بعثاً يا سيدي، إنه شيء يشبه فتح الزنازين والسجون وأقسام الشرطة لإخراج المحبوسين من معتقلاتهم دون محاكمات ووجه حق، فالدفاع عن الحرية لا يكون بإطلاق المسجونين بجرائم واضحة، والدفاع عن الدين ونصرة النبي الأكرم لا يتم بقتل سفير غربي هنا وإزهاق أرواح دبلوماسيين هناك، إن الذين توجهوا للسفارات أرادوا تقليد ما حدث في ليبيا معتقدين أن هذا هو ذروة الجهاد والإخلاص، دون تفكير في الفعل وحجمه ونتائجه. هل استغل المشهد وردات الفعل الجماهيرية؟ نعم تم استغلال ذلك بما لايدع مجالاً للشك؟ هل كان كل ما رأيناه بريئاً وعفوياً كما وصف عبر الإعلام؟ لا أظن ذلك. هل هناك من انتفع مما حدث؟ هل هناك من رمى حطباً في المحرقة ليزيد توهج المشهد ويضاعف الفوضى؟ نعم، ولكن ذلك في كثير من جوانبه لم يكن لخدمة الدين! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com