الملحمات الكبرى تحتاج إلى وعي، وقراءة صحيحة لمواجهة ما يحدث بعلم وفهم وجيد الكلم.. الذين يسيئون، يفكرون، ويبصرون، ويتدبرون، ويحسنون توجيه السهام، بحيث تصيب كل عقل ومقتل من دون أن يفقدوا ما يحرق الأعصاب، ويسلب الألباب، لذلك فإن هذه الأفعال اللئيمة والأقوال الأثيمة تحتاج إلى عقول تقارع الحجة بالحجة، ودون تهويش أو تشويش، وتضييع وتمييع أو تركيع القضية الأساسية تحت أقدام الخيول الجامحة الرامحة، ودون إثارة الغبار، ورفع درجة السعار والإكثار من الهرج والمرج على أيدي سذج همج يسيئون، ولا يحلون، يشوهون ولا يدافعون، يسفون ولا يعالجون، ينسفون ولا يبنون. في قضية الفيلم المسيء إلى الرسول الكريم، ضرب المرجفون صدورهم، ولطموا خدودهم، وهرولوا وولولوا، وأحرقوا، وحرقوا، واستولوا على القضية، وولوا الأدبار، مهشمين زجاج القضية بقاذفات من حماقة، ونزق معتقدين أن العالم سيكون منصاعاً لعدالة القضية عندما يركضون في الشوارع كالمجانين يحطمون ويمزقون، ويقتلون، ويفتكون.. قضية الإساءة إلى الرسول الكريم قضية كبيرة وتحتاج إلى عقول مؤسسات وحكومات ومفكرين، يتصدون لما يحدث من إسفاف وتعسف وإهانة لوجدان أكثر من مليار مسلم، نحتاج إلى مواجهة فكرية عاقلة وضمائر فاضلة تضع النقطة بعد الجملة قبل الفاصلة، ولا تؤجج ولا تحرج ولا تخرج عن السياق بتصرفات من إملاق.. قضيتنا عادلة وإسلامنا سامٍ ومتعافٍ بتعاليمه النبيلة، ونبينا محمد عليه السلام، موجة عالية لن تغشيه غاشية، ولا فقاعات بالية، وأنا متأكد من أن ردود فعل المهووسين أشد فظاظة وغلظة على القضية، لأن العواطف نواسف، والتصرفات العصبية تسيء ولا ترد حقاً، والدخول في مواجهة الإساءة بتصرفات أكثر بذاءة يجعلنا كعالم إسلامي، عند موقع الأقدام تدهسنا حوافر الشطط والغلط، تجعلنا دائماً في موقع الدفاع بأسلحة الاندفاع العاطفي، الذي لا يخدم للود قضية. مصالح العالم، جلها ينصب على جغرافية العالم الإسلامي، لذلك يجب أن نخاطب هؤلاء بلغة المصالح، والقواسم المشتركة، ويجب أن نحدثهم بالتي هي أحسن حتى نحسن أخذ الحق من دون رهق أو نزق، أو قلق، يجب أن نخاطب عقول بنيهم النيرة، وأن نستقطب الذين لم تلوثهم العصبية وأن نمارس حقنا في الدفاع عن ثوابتنا بأساليب ترتفع عن الانحطاط الأخلاقي، وأن نتسلح بالثقة وصلابة الإرادة، وعزيمة الفكرة الناضجة، لأننا أقوياء لا تثنينا ولا تحنينا زوابع الأفلام البائسة، وكل ما يجب أن نتحاشاه هي هذه الهبات العشوائية والغوغائية، لأنها هي السبب في خذلاننا وانكسارنا، وعجزنا وانهزامنا أمام المعضلات الكبرى.. المهرولون باتجاه السفه في المواجهة هم سبب كل هذا التضعضع والضعف في قضايانا الجوهرية، هم كل الحرائق التي جاشت في هشيمنا وأديمنا، وحولت أحلامنا إلى كوابيس مفزعة لم نزل نعاني من رجافها ورعافها ونزيفها وخريفها الذي لا نهاية له إلا بوعي من يهمهم الأمر.. علي أبو الريش | marafea@emi.ae