لا أعتقد بأن أحداً من المهتمين بالتربية والتعليم، أو الحريصين على أمر المجتمع وأجياله ونهضته لم يتطرق أو يكتب، أو يتحدث عن ضرورة تطوير التعليم ومساواة الإنفاق عليه بالإنفاق على شؤون الدفاع والأمن، على اعتبار أن التعليم في أعمق وأخطر آثاره يعتبر أمناً وطنياً بامتياز لأية أمة ولكل مجتمع، من هنا فعندما شكل الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريجان مطلع الثمانينيات لجنته الشهيرة لتقصي وضع التعليم في الولايات المتحدة، وحينما وجدت اللجنة أن التعليم الأميركي بالغ السوء إلى الدرجة التي ستجعل أمماً، كالروس والآسيويين يتقدمون عليهم أصدرت تقريرها الشهير تحت عنوان ( أمة في خطر )، وكأنها تعلن حالة الطوارئ القصوى في البلاد !! اليوم فإن من بين أفضل وأقوى 500 جامعة على مستوى العالم تأتي المائة جامعة الأولى من الولايات المتحدة، هذه الدولة التي تسيطر على العالم بقوتها وقوات حفظ السلام التي تتكفل بالإنفاق عليها في كل الدنيا، هذه الدولة ليست دولة عظمى عسكرياً فقط ، ولكنها دولة تعليم واختراعات ومخترعين، وتطور تقني وفضائي وزراعي وصناعي لم يسبق له مثيل، ومن نافلة الكلام أن نذكر أنها ما كانت لتحقق ذلك لولا قوتها الكامنة في الدستور الأميركي الذي يكفل الحريات ويقنن لنظام سياسي منضبط ومتوازن حقوقاً وواجبات (نتحدث عن الداخل الاجتماعي للولايات المتحدة، لا عن السياسة الخارجية التي نتحفظ عليها كثيراً، ولا نتفق معها في كثير من التوجهات) !! نقول ذلك عن الولايات المتحدة التي تعد الجامعات فيها مؤسسات عملاقة أغنى وأكثر ثباتاً من بعض الدول، وتعد الصحافة فيها عالماً قائماً ومتأسساً على تاريخ وثيق من القوانين والقيم والأخلاقيات التي بدأ تكريسها منذ أكثر من 300 سنة، دون أن ننسى عامل أو فارق الزمن، ونحن نقارن ونرسم حدود طموحاتنا ومع ذلك فإننا في الإمارات قد تجاوزنا عقدة الزمن بإنجازات أقرب الى المستحيل قياساً بعمر الدولة، وحجم ما أنجز، والزمن الذي أنجز فيه! في الأسبوع المنصرم أعلنت المؤسسة العلمية القائمة على أمر تقييم الجامعات قائمتها لهذا العام لأفضل 500 جامعة، وفي كل عام فإن العرب يخرجون بكل جامعاتهم صفر اليدين، فلا جامعة تنطبق عليها الشروط والمواصفات العلمية والبحثية التي تضمها، أو تقربها إلى الجامعات العريقة، كهارفرد وييل وأكسفورد وكامبردج وغيرها من الاسماء الكبيرة، باستثناء جامعة البترول والمعادن السعودية، أما غير ذلك فلا شيء على الإطلاق، أما في هذا العام، فقد تصدرت الإمارات الواجهة العلمية العربية بجامعتين عريقتين، هما جامعة الإمارات، والجامعة الاميركية بالشارقة، وهو إنجاز كبير، ومبعث اعتزاز حقيقي ! مررت كثيراً ببعض البلاد العربية التي سطرت الأحداث والحضارات أحداثاً ضخمة في سجلات أيامها، وكان بعض أهلها يقول لي أنتم ما أنتم يا أهل الخليج ؟ لولا البترول لكنتم نسياً منسياً، فكيف فعلتم هذا وحققتم ذاك وأنجزتم ... بينما نحن أهل الحضارة وأهل التاريخ نعيش هذا الواقع البائس؟ كنت أنظر إلى الفقر وانعدام الخدمات وكثرة المهاجرين والعاطلين، وأقول ماذا سيفعل التاريخ الذي كان لكل هؤلاء؟ إن الإمارات تعيش اليوم وتعمل وتنفق وتعطي وتخطط للغد والمستقبل لمواطنيها وأجيالها وأجيال كل العرب بما يليق بهم ولهم، المستقبل لا يصنعه ولا يضمنه سوى التعليم الراقي. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com