في الـ B.B.C في برنامج أجندة مفتوحة، كان الحوار مع مجموعة من شباب مصر، لفت نظري كلام أحد الشباب حينما قال أنا مع الثورة، ومصر كانت بحاجة إلى الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان، لكني أختلف مع الكثيرين في التعاطي مع مجريات الأحداث، فالحرية لا تعني الكراهية، ولاتعني إهانة أحد، ولا تعني التشفي من أحد، مبارك ليس نبياً، ولا ملاكاً، هو بشر وقد أخطأ وكان لا بد وأن يتنحى ويفسح الطريق لغيره كي يكمل المسيرة، ويحقق للناس ما عجز عن تحقيقه حسني مبارك. ويضيف الشاب قائلاً: كنت أتمنى أن يفهم الناس معنى الحرية وقيمتها، وأن يعرفوا أن مصر بحاجة إلى سواعد الجميع لبناء مؤسسات جديدة، وأن تكلل الثورة وما تم دفعه من دماء في إنجاح ذلك الجهد الجبار بالتكاتف والتعاون لأجل مرحلة جديدة ومغايرة، ولكن للأسف ما شاهدته أحبطني وجعلني أشك في النوايا وأفكر ألف مرة في كل كلمة وكل خطوة. ثم يستمر الشاب في حديثه: أشعر الآن أن ما يحدث هو صراع نفوس، وهو محاولة لفرض واقع لا يعبر عن وعي بأهمية الحرية، وإنما هو صراع نفوذ لقوى مشحونة باندفاعات عدوانية ضد أمان مصر واستقرارها وتطورها. الذين تحدثوا عن الثورة ضد الاستبداد أراهم أمامي الآن يدورون في الحلقة المغلقة نفسها، ويدخلون في النفق الذي أرادوا أن يخرجوا منه. ويقول الشاب: أنا أفسر هذا السلوك أنه لا يخرج عن كونه عداء أشخاص لشخص وأن طموحهم هو فقط، لماذا يجلس هو على الكرسي وليس أنا. وهذا السلوك لا يخدم قضية الحرية، ولا يقدم للديمقراطية غير أطباق مسمومة ومحشوة بالغث والرث. ويقول الشاب المصري: أنا مصري وأحب بلدي، وأحب أن يتفاهم الناس على كلمة سواء بعيداً عن الشحناء والبغضاء، وبعيداً عن المساجلات التي لن تقود إلى بر الأمان، وبعيداً عن المراهنات على الظفر بقطعة أكبر من الكعكة. أريد لبلدي أن تنهض، والبعض يريدها أن تغرق في الدماء والكراهية والتشويه والتسويف والتخويف، وبث روح عدم الثقة بالغد. ويستطرد الشاب: أنا في الحقيقة خائف على بلدي، عندما أسمع التصريحات التي لم تزل تمضغ شعارات كان ينبغي تجاوزها والتوجه فوراً نحو صناعة مصر المؤسسات، ومصر القوية اقتصادياً وثقافياً وسياسياً. لم أسمع من أحد من الأحزاب حتى الآن عن مشروع مائي يفرح الفلاح البسيط، ولا عن فكرة صناعية تعيد فتح عشرات المصانع المصرية المعطلة، ولا سمعت أبداً من يطرح كيف ينقذ مصر من الديون الخارجية، ويحل مشكلة البطالة. الذي أسمعه فقط كيل من اللعنات على النظام السابق، بل إن بعضهم ما زال يردد مقولة بقايا النظام. إذاً ما فائدة كل هذه الحشرجة، أين رجال مصر الذين يقولون نحن هنا ومصر ماضية نحو الحرية الحقيقية؟ أين؟


marafea@emi.ae