عندما تنفرط حبات السبحة، ويهترئ الخيط الرفيع في أي مجتمع من المجتمعات محكمة الإغلاق والانغلاق، تبدو الأرض غابة موحشة متوحشة، يسوم حملاتها المفترسون سوء العذاب، يغرقونها برجس النوايا وبخس الغايات، ويعيثون فساداً في الضرع والنسل.
في العراق الجريح، وبعد التفكك والتباريح، دخل إلى هذا البلد العنف المؤدلج، والموت الممنهج، ما جعل الناس الأبرياء يلوذون فراراً، بحثاً عن ملاذات آمنة، تحفظ عرض الماجدات وصاحبات الكعوب العالية، والجباه الشم، ولكن ما كان بالإمكان أفضل مما كان، حتى قال اللائذون بأعراضهم “كأنك يا بوزيد ما غزيت”، فاستقبلت المنافي، والفيافي المشجرة بالبؤس والجرس، بنات الفرات، المكلومات بالتنكيل، وتخريب المعاني وتسريب الأماني، وتغريب الأناشيد حتى أصبحت سبباً يلاحق مسببات، في عراء المثل والأخلاق الإنسانية، وقد استغل شياطين الأرض الظروف والصروف، واقتحموا بالمبادئ السامية بمعاول الادعاء والافتراء، وهراء الفتاوى، التي تجيز فرض الأمر الواقع على من ظلمهم الواقع، وتخلت عنهم الجهات الأربع ليصبحوا وجها لوجه مع من نضحت من أنوفهم شهوة الغدر، والاستغلال واحتلال الأعراض تحت مبررات وذرائع دينية من صنع أرباب الكهوف القصية.
وبشطط الرغبات المجانية، ولغط التشريعات الدينية المثقوبة والمعطوبة، أجاز من في نفوسهم غرض ومرض المستحيل، فحللوا المحرمات ليشبعوا رغبات شيطانية كامنة، على حساب من لم ينبت في عيونهم فرح ولا أمل، فصار الاغتصاب زواج متعة، والاستلاب قران تحصين ومنعة، ولا حول ولا قوة لمن باعته النخوة، لذوي الصبوة والشهوة.. والله المستعان.. والتاريخ يعيد نفسه على جغرافيا مجاورة، فالذين نفروا واستنفروا لنصرة “الثورة” السورية، أداروا ظهورهم إلى الحرية والديموقراطية، وتفرغوا ليفرغوا ويستفرغوا، ويرغوا ويثغوا على أجساد حرائر، سامهن الوقت وساطهن الحلم عذابات التشرد والتصهد والتبدد على بقاع الأرض، كأنهن الفراشات المذعورة والمغدورة، من فظاظة كلاب مسعورة استبد بها حلم السطوة والسيطرة والاستيلاء والاستعلاء، ملوني الوجوه والمبادئ بنقمة النعرات والرغبات والشهوات، وتشطي ما تحت الجلود من عويل وعواء، اختطف الدين وأخلاق الإسلام السامية، واستباح وأباح وأناخ ركاب اللؤم على شرف الحرائر، بابتذال لا تسنه شرائع ولا طبائع، ولا يقبله عقل ولا نقل.
ما يحصل هو شيء من تهشيم القيم، بأيدي محترفين مهرة، في صناعة الوقائع، لتحطيم كل ثابت في الواقع، ولجعل كرامة الإنسان كنعاله، مدججين برجوم الشياطين، ملفوفة بأردية دينية ما أنزل الله بها من سلطان، موشحين بالأخلاق الإسلامية، بأقاويل ومواويل وسراويل، حيكت خصيصاً لأجل تمرير مشاريع الهتك والفتك، والتفكيك والتشكيك والغدر والبتر وإعادة الإنسان إلى زمن الوأد، ودفن الكرامة تحت كثبان البطش والغش الديني.


marafea@emi.ae