في أتون الغضب الذي يجتاح المسلمين بسبب الفيلم الذي يسيء للرسول الكريم، والذي لن يطاله المنع أو الحجر، بسبب قانون التعبير الحر في أميركا، وربما لن تتم ملاحقة العاملين على انتاجه وإخراجه، فقد تكون وراءهم أسماء وهمية أو منظمات إرهابية، ستخرج يوم الثلاثاء مذكرات سلمان رشدي الكاتب الهندي الإنجليزي الذي أشعل العالم حينما طرح روايته “آيات شيطانية” عام 1988 في (700 صفحة) متضمنة حديثاً بالرغم من وجوده في بعض الروايات العربية فيما يعرف بحديث “الغرانيق”، وتحدث فيها عن بيوت الدعارة في مكة، وعن زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وما كان يمليه الشيطان في قلبه من نصوص، فأثار غضب المسلمين، وأفتى حينها عام 1989 الخميني فتوى بإهدار دمه، وتتالت الفتاوى في العالم الإسلامي، وظل مطارداً متخفياً، وساعدته الجهات الأمنية البريطانية في تأمين سلامته وحمايته وتغيير هويته، وكلف الخزينة البريطانية ودافعي الضرائب مبلغ عشرة ملايين جنيه إسترليني، لكنه حظي من ملكة بريطانيا بلقب “سير”، ومن فرنسا بلقب”كوماندر”، وتعاطف معه العالم ومع رواياته القديمة، التي حصلت منها “أطفال منتصف الليل” بجائزة “البوكر”، وكتبه الجديدة التي أصبحت من أعلى الكتب مبيعاً، وقد استقبله الرئيس الأميركي بيل كلينتون حينما زار أميركا، السيرة الذاتية لرشدي تحمل عنوان “يوسف أنطون” ولعله الاسم الحركي الذي أطلق عليه أيام المطاردة، رواية، ولعل الجدير بالقول إن رواية “آيات شيطانية” تحولت إلى عمل مسرحي ألماني مدته أربع ساعات، لكنه لم يلق رواجاً ولا غضباً كما صنعت الرواية، بعدها ظهر الهولندي “غيرت فيلدرز” وانتج فيلمه “الفتنة”، وهو من الإنتاج الضعيف فنياً وأدبياً، ويفتقر إلى الإبداع، لكنه استطاع أن يشعل فتيل الغضب المتواصل، ومن ثم جاء رسام دنماركي واخرج رسوماً “كاريكاتورية” عن الرسول الكريم، وزوجاته بطريقة مسيئة، وخرج المسلمون معبرين عن غضبهم ومقاطعتهم للبضائع الدنماركية، فكان تحركاً جماهيرياً ورسمياً، لكن الرسوم نشرت رغم امتناع بعض الصحف عن النشر، وأعيد نشرها بعد مدة في فرنسا.
ما زالت الكتب والأفلام تثير الناس، وتغضب السلطات، ويمكنها أن تشعل الفتن، فحتى كتاب “يوم غير سهل” الذي سرب تفاصيل عملية اغتيال بن لادن، تحت اسم مؤلف مستعار “مارك اوين” أقلق البنتاجون، وذهبت لمقاضاته قانونياً، بحجج أمن وطني وأسرار عسكرية تطال المنتسبين للخدمة في القوات الخاصة و”المارين”.
اليوم هناك تساؤل حول ما تشكله دور النشر العالمية وشركات البث الإلكتروني من “سلطات” توازي سلطة الحكومات القوية، وأبلغ تأثيراً في الناس، حتى أن المشرع الجديد يريد أن يتدخل بجمل قانونية تحاول أن تحد من مطلق حريتهم، وتنقص من حقهم الدستوري ببنوده القديمة، ولكن في المقابل لا تريد الحكومات أيضاً أن تعادي مثل هذه “السلطات الجديدة” لأنها فاعلة في المجتمعات، وتحتاج إليها في الكثير من تسيير سياساتها الداخلية والخارجية!


amood8@yahoo.com