بين أيديولوجية الشر وأيديولوجية الخير يقف العالم على أعصابه كلما مرت ذكرى التفجير الكبير، معتبراً أحداث سبتمبر منعطفاً تاريخياً في الصراع الجديد، بعد صراع القوى العظمى، وصراع الحرب الباردة، فالتفجيرات ما زالت في أي مكان، ويمكن أن تكون في أي زمان، وليست هناك بقعة آمنة ومطمئنة، فأيديولوجية الشر مترامية الأطراف، وقد تنبعث في أي وقت، فهناك الخلايا الخامدة والخلايا النائمة والخلايا النشطة، جميعها تتبع تنظيماً عنكبوتياً عنقودياً، بحيث لا يعرف أحدها الآخر، ولا يشترط أن تكون في بلد واحد أو مدينة بعينها، فيمكن أن يكون المخطط في جبال قندهار والسلاح من التشيك والمنفذون من بلدان مختلفة، قد يجتمعون في لندن قبل ساعات من التفجيرات، ويذهب كل واحد إلى وجهته، وغالباً ما يكون الذهاب بتذكرة واحدة غير مرجّعة، فهو مقتنع بأنه خلق ليكون مشروع شهادة، يبتغي من خلالها رؤية وجه الرب والعيش في جنّات عدن حيث أنهار من عسل ولبن غير آسن وحور عين وغلمان مخلّدون، لا يهمّه من يقتل جرّاء مشروعه الاستشهادي من أرواح أبرياء لأطفال أو عجائز أو مبدعين أو علماء.
في مقابل تحرّكات وتنظيمات أيديولوجية الشر هذه، تقف أيديولوجية الخير مكتوفة الأيدي، تعمل كل دولة على حدة، تطارد أشباحاً غير معلنين، يتخفّون كل مرة بشكل وقناع، فمرة من طلاّبها النجيبين، ومرة من حملة الأوسمة ومرة أخرى من الجيل المهاجر الثالث، ومرة من الوطنيين الشوفينيين المتعصّبين ومرة من المتمرّدين الثائرين على المجتمع والنظام، ومرة أطباء، مرة يستعملون قنابل بدائية ومرة مواد تفجيرية معقّدة، ومرة أخرى يسخّرون التكنولوجيا في خدمة الشر والقتل.
اليوم.. دولنا العربية مخترقة من قبل أيديولوجية الشر، وهي حاضنة لها مع علمها أو من دون علمها، مع عمَلها غير الديموقراطي وتعنتها وفسادها وبسط سيطرتها على مقدرات الشعوب وحرمانها من أبسط الحقوق الإنسانية والطبيعية، مع اضطهاد مثقفيها ومفكّريها وباعثي حركة التنوير الحضاري فيها، حتى دول الغرب المتحضر ليست بمنأى عن وجود مثل هذه الأوكار والأفكار الشريرة، فهي تدفع ضريبة أن يكون الإنسان والدولة وفق نسق التفكير الحضاري المتقدم الذي تنشده الإنسانية في سبيل رقيِّها وتطورها وتمييع الحدود وكسر الحواجز والتواصل مع الآخر حضارياً، غير أن الآخر غير متقبّل لها ولا لحضارتها التي يعتبرها مدمّرة لحضارته القديمة، ومضطهداً لوجودها على مرّ التاريخ، أيديولوجية الشر تبطش بمدن العالم، والعالم يقف في حيرة مما تريد قوى الشر، لذا يتمترس فيه فريق أيديولوجية الخير مدافعاً عن حقوقه المدنية، ومكتسباته الحضارية.
بين أيديولوجية الشر قابيل، وأيديولوجية الخير هابيل، يعاد مشهد القتل، ويقف العالم على شفير الهاوية، فلمن تكون الغلبة، ومن يصمد حتى النهاية، علماً بأن للشيطان حلفاء كثيرين، وغالباً ما يضحك أخيراً!


amood8@yahoo.com