لا يحتاج الزائر كبير جهد لتبيان ملامح ومظاهر الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمناطق ودول عدة في أوروبا، وتئن تحت وطأتها الكثير من بلدان القارة العجوز. في ميلانو عاصمة الشمال الإيطالي، وعاصمة الموضة والأزياء العالمية والمعارض الدولية- كما يقولون- تشعر بشيخوخة المدينة المنهكة تحت أثقال الأزمة، وأعمال الإنشاءات والتجديدات استعداداً لمعرض” أكسبو2015”، لا يرى فيها الإيطالي البسيط سوى استنزاف يزيد”قطط الفساد” سمنة، ويزيد الفقراء نهشا باتجاه المجهول. ترى غالبية الوجوه بائسة مكفهرة، وهي تتوزع تائهة بين الأرصفة والمحطات. على عمود إنارة قبالة مجمع تجاري ألصقت امرأة شابة ورقة كتبت بخط يد، تعرض فيها مؤهلاتها العلمية والعملية للعمل مساعدة منزلية. غير بعيد عن المكان عجوز افترش الأرض، وقد وضع فوق حقيبة مهترئة لوحة تقول إنه بحاجة إلى عملية جراحية وراتبه التقاعدي لا يكفي متطلباته المعيشية.
في كشك للصحف الإيطالية والبريطانية - وحتى الأميركية منها ذات الطبعات المحلية- تتصدر العناوين أرقام البطالة المتفشية وجرائم الأحياء والشوارع الخلفية. ونظرة عابرة على صفحات الرأي في تلك الصحف تجدها حافلة بمقالات عن مواضيع متنوعة، لم يكن أي منها يحمل لا من قريب أو بعيد شيئاً من “القصف الإعلامي” الذي تعرضت له الإمارات ودبي تحديداً مع بدء الأزمة الاقتصادية العالمية منذ أكثر من ثلاث سنوات، رغم اختلاف حدة تداعياتها العاصفة بين هنا وهناك. فقد كانت تلك المطبوعات، وبالذات البريطانية منها، وللأسف أنجرت وراءها وسائل عربية، شديدة القسوة، وهي تتحدث عن اقتصادنا الوطني، واعتمدت وصف” الفقاعة”. وتفننت تلك الوسائل في اختلاق القصص والروايات عن المباني والمدن المهجورة ومئات السيارات المتروكة في المطارات، وغيرها من القصص التي نسجتها الخيالات المريضة لأصحابها.
استعدت تلك المشاهد من ميلانو، بينما كنت أتابع الاحتفال بمرور ثلاثة أعوام على تشغيل” مترو دبي” الذي كان نموذجاً لإرادة أبناء الإمارات في التحدي والإنجاز. فهذا المشروع الحضاري العملاق أنجز في المواعيد المحددة، ووفق ما كان مقرراً له، وها هو اليوم يحتفل بنقل184 مليون راكب منذ التشغيل، ليمضي ضمن الصورة المتألقة الزاهية في وطن الإنجازات، بالعديد من المشروعات الاستراتيجية والحيوية التي تطرز جيد هذا الوطن.
اعتقد البعض أن تلك الحملة الإعلامية الشرسة ستفت من عضد أبناء الإمارات، وهم يلتفون بحب ونبل ووفاء وولاء حول قيادة عالجت الأمر بحكمة ورؤى سديدة، ومضت في نهج الواثق بقدراته وإمكانياته باتجاه المستقبل المشرق. رجال تعلموا ألا يلتفتوا للخلف، بل المضي دوما للأمام، وعدم الاكتفاء بتحقيق الإنجاز، وإنما التميز فيه.
لم يكن مشروع”المترو” إلا صورة ونموذجا لما يتحقق بالإرادة والعزيمة الصادقة، على أرض الواقع، ويمثل إضافة لسلسلة من الإنجازات المتصلة في مختلف المجالات والميادين حققت مستوى متقدما من جودة الحياة والعيش الكريم والاقتصاد المزدهر في بيئة آمنة مستقرة، شهد لها تقارير المؤشرات العالمية ذات الصلة. إنجازات ملموسة على أرض الواقع تحولت معها الإمارات إلى مركز ثقل اقتصادي وسياسي في المنطقة بأسرها. والأهم من ذلك إنسان هذا الوطن الذي تصدى بهمته العالية لأراجيف أعداء النجاح، في قصة نجاح متصل، عنوانها حب الإمارات.


ali.alamodi@admedia.ae