يمكننا من الأشياء البسيطة أن نعرف حجم ما يلحق بنا من مصائب صحية تصدر لنا، ونشتريها بغالي الأثمان، ونحن بذلك نغش أنفسنا بأنفسنا، في ظل غياب رقابة غذائية صارمة، ليست فقط على تلك التي تأتي من المنافذ الحدودية، ولكن ما يمكن أن يتلاعب به في المحال الكبيرة و”المولات”، فكم بضاعة مختوم عليها أنها من أستراليا، وهي اليوم في غير موسمها في أستراليا، فواكه وخضراوات ختمها ختم هولندي، ولو استحلفنا السماد لأخبرنا أنها لم تر تربة هولندا الرطبة، والحقيقة كنت مثل بقية عباد الله ألقف ما يأكلون، وأشتري ما يشترون، رغم أنني من المشككين منذ زمن بعيد، فالعيش في أوروبا حتم عليّ تذوق أطايب ما تنتج الأرض، وتنوعها من دول الجوار وغيرها، لكن حين عدت قاطعت الفاكهة والخضراوات لأنها لا طعم فيها للماء، ولا لون فيها غير بريق الأبر والمواد الكيماوية، وهذا الصيف قلت لأجرب الفرق بين ما يأتينا من واردات الفواكه والخضراوات، وما يصل للندن وباريس ومدريد، بين ما نشتريه من أغلى المحال باعتباره مستورداً من الغرب، ومخزناً بطرق سليمة، ومُراعى اختياره واختباره، وبين ما يبيعه دكان صغير وقديم في شارع فرعي بلندن أو في سوق الأربعاء المحلي في ناحية باريس أو بقالة في نواصي مدريد، وإن كنت لا تثق بحواسك وذوقك، فما عليك إلا أن تعتمد على ذائقة امرأة حامل تتوحم، ولا تطيق شيئاً لا تحبه، وحساسيتها عالية، ودرجة الشم بعيدة أو بنت “امّبَازَايّه” وضارية على الدلع، فهما مقياس دقيق وحاسم، ولأن الدّراق هذا الصيف، خاصة الإسباني كان لذيذاً ويذوب في الفم، وله رائحة منعشة، فقد كان ما توحمت به المرأة الحامل في الفوج السياحي، وما كانت تطلبه بنت العز التي كانت تصبغ به ثيابها “الماركة”، لذا كان الدرّاق الإسباني رفيق رحلتنا من لندن وباريس ومدريد وحتى براغ، وقلت للمرأة الحامل ممازحاً: “الخير أن ينتهي الوحم بك قبل أن تصلي البلاد أو “تتذخرين” لك بسحارة درّاق إسباني، وإلا أبشري بعلك البلاستيك والنايلون، وما يربى في البيوت الصناعية، والذي يُنفخ بحقن قبل أن يصل السوق، ويفشّ ما أن يصل الثلاجة”، ضحكت غير مصدقة، فأوصيتها أن تخبر أم البنت: “ترى الدرّاق عندنا ما يعرف “البزا”، وستمضغه بنتهم المدللة، وكأنها تمضغ “ترنّيه”، ويمكن أن تعزّر عليهم أنصاف الليالي تبا درّاق إسباني”، عدنا والعود أحمد، والدرّاق “ما واحى له” أن ينتهي موسمه، ورحنا نبحث عن الإسباني، بس علشان ما يظهر في وحمنا، وإذا به ما فيه غير “الشيفة”، ولزقة إسبانيا، والثمن الغالي، أما داخله فتقول ساقينه بـ”ماي بيدر” أو مزروع في الطريق العام أو مسمد بزرنيخ، لا طعم للماء، ولا رائحة للأرض، ولا ينفع المتوحمة، ولا يشبع “البَزّيه”!


amood8@yahoo.com