هناك أناس يدنسون القضايا النبيلة، وكأن مهمتهم في الحياة مساعدة الشيطان في مساعيه لإحقاق الشر، وغلبة الخير، ويتذرعون بأخلاق عربية، وبمسائل فقهية ونصوص مقدسة سماوية لتغطية هذا المكر الدنيوي، ألا ما أتعس الإنسان حين يفقد شيئاً جميلاً من إنسانيته وأخلاقه، وعقله، ويصبح كالأنعام أو أشد جهلاً، وتغيب عنه هالة التكريم والخلافة في الأرض، ومنظومة القيم التي ترفع من جلالة ذلك التراب والماء والطين.
إن ما يكاد يتسرب من أخبار وأمور وحكايات في مخيمات النازحين واللاجئين من النار والقتل العشوائي في سوريا المحترقة، وخاصة فيما يتعلق بالجانب النسائي والأنثوي والذي يحمل معنى الشرف عند العرب لأمر فظيع، فقصص تزويج وترغيب وترهيب القاصرات بدافع الستر ومد يد العون، ومساعدة الثوار في معركتهم نحو الحرية، أصبحت كثيرة ومتناثرة عن اللاجئات في لبنان والأردن والعراق وتركيا والجزائر، وبعض المناطق الأخرى التي احتموا بها بعدما غلبتهم الدنيا وقهرتهم الظروف، ولجأوا إليها لجوء المستجير من الرمضاء بالنار، قصص لا بد أن نصدقها، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، ونحن أدرى ببعض النفوس الجرب، وما أكثرها عند العرب، ملصقين عملهم “الثوري” بالنخوة العربية، وإغاثة الملهوف، وتأمين المستجير، وما أكثر مكرها وبهتانها عند المسلمين المتحزمين بالفتاوى الجاهزة والمتلفزة، ملصقينها بعمل الخير والبر والإحسان، وفي حدود ما يسمح به الشرع، ولا يشذ عن سُنة النبي الكريم، قصصاً لا بد أن نصدقها لأننا نعرف ما تجر الحرب من خراب في النفوس، وما تفرزه في يومياتها الصعبة، فلا حب في الحرب، إلا حب الخيانة، والسرقة، واقتناص الفرص، ولأن من جرب الحرب عرف ما كانت تعانيه البوسنيات والألبانيات والصوماليات واللبنانيات والعراقيات في الداخل والخارج، ففي الحرب الطرف المثلوم دائماً هو النساء، وأكثر من يتحمل جرائر الحرب النساء، فهن الباكيات على القتلى، الثكلات، وهن القتيلات، وهن المشوهات، وهن المغتصبات، وهن المشردات، وهن الحاملات سفاحاً، وهن الجريحات جسداً وعقلاً، وهن المتحملات وزر جنون الرجال، وجنون أسلحتهم.
اليوم ما تتعرض له السوريات المبجلات في ظروف الخراب هذا، يجب أن تقف له الدول “المستظيفة” بقوانين سريعة تمنع تلاعب مواطنيها ومواطني الجوار، وفتاوى شيوخ الغفلة، وتمنع إغراءات اليورو والدولار في مستنقعات الضعف الإنساني، والحاجات القاتلة والتضحيات الفاسدة - حتى ولو كانت من قبل بعض الأسر المكلومة- كما عليها أن تمنع”القوّادين والطحّانين والفتّالين” ومستغلي الفرص وأغنياء الحرب من لعبتهم القذرة التي يدنسون بها أطهر القضايا وأنبل الأفكار، ويمكنهم أن يلوثوا النفوس الضعيفة والجاهلة والطامعة، التي تغريها الحروب بالكثير، وتوعدها بالكثير، وتزين لها الحرام حلالاً، وتأمنها من العقاب، وغياب القانون، لتسبح في غيّها ودنسها الشيطاني!

amood8@yahoo.com