هل تستطيع دول عدم الانحياز الانحياز إلى قوة التأثير في الأحداث العالمية الكبرى، خاصة ما يحدث على الأرض العربية؟ بالطبع لا، والأسباب عديدة ومنها:
أولاً: أغلب الدول المنتمية إلى هذه المنظمة، وبالأخص الكبرى منها، لم تزل تستجدي العون والمساعدة من دول أخرى منحازة، فكيف تستطيع دول متخلفة اقتصادياً أن تستقل سياسياً.
ثانيا: إن الدول في هذه المنظمة “اللامنحازة” انحازت كثيراً، وعلى مدى التاريخ، في الاستيلاء على أرض الغير، والسعي في فترات متلاحقة لأجل بسط النفوذ السياسي باستعمال فرد العضلات، وفرض أسلوب المهاترات والمغالطات التاريخية.
ثالثاً: إن ما بين هذه الدول ما صنع الحداد، من شرار الخلافات السياسية والأيديولوجية، ومن جمرات الاحتقان والمنافسة على تأكيد الهيمنة على المنطقة.
وإذا كان كل هذا الصدأ عالقاً في جسد هذه المنظمة، فكيف لها أن تتحدث باسم اللاانحياز، وكيف لا ينحاز من لا يملك غير الانحياز لشعارات وأيديولوجيات أضرت بالعالم أكثر ما أضرت به تلك الدول المنحازة. ولا يصدق على هذه الدول اللامنحازة إلا عدم انحيازها للحق والحقيقة. فطبيعة مكوناتها السياسية والاقتصادية والأيديولوجية لا تجعلها البتة في منأى عن الانحياز إلى طرف واحد، لا نهاية له، لأنها دول باتت ترسم خطوط الطول والعرض، ليس على أسس جغرافية أو تاريخية، وإنما على قماشة الملل والنحل، والأغراض السياسية تجبر دوماً لصالح هذه النداءات الداخلية الآتية من لا شعور جمعي نابع من مغالطات وأخطاء فظيعة في فهم الرسالات السماوية.. لن تستطيع دول “عدم الانحياز” ألا تنحاز، وهي منحازة دوماً، إلى الآخر المنحاز لقوته وسطوته ونفوذه الواقعي، المبني على أسس الآلة الاقتصادية الضخمة، والأداة العسكرية الهائلة، التي لا تنمو على أعشاب الشعارات الشوكية الباهتة، وإنما تنمو على أسس الطاقة الداخلية لهذه الدول وقدراتها الفائقة في صنع واقع يتلاءم مع الاحتياجات.
عالم اليوم هو عالم الأقوياء الذين تسمع ضربات أقدامهم، كل من به صمم، وليس عالم الذين يصنعون الأوهام، ويذهبون بشعوبهم نحو الهاوية بسبب مغامرات وشطط سياسي وأيديولوجي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفقر والمرض والأمية، وفقدان الهوية، وانحسار القوة الفاعلة في صناعة المستقبل الزاهر.
فأحلام اليقظة لا تصنع مستقبلاً، والمجازفات العقائدية لا تكسر إلا سنام النوق الطائشة، والاعتقاد بأن الشعارات الصفراء بإمكانها أن تخدر وتعمي الأبصار عن رؤية الحقيقة، اعتقاد بائس ومريض، وتخيل أن منظمة عدم الانحياز بصورتها الحالية يمكن أن تمسح دموع التاريخ، وتضمد جروح الجغرافيا، وتخفف ألم الخائفين على مستقبل أوطانهم، فإنه خيال من ينظر إلى السراب ويظنه ماء.


marafea@emi.ae