لعل من مسببات التأخر في الوطن العربي، ومدعاة للتلكؤ الإداري، وتعطيل المصالح، وموجبات الرشوة، الطابع المالي الذي ما زال مقرراً في تسيير المعاملات في الدوائر العربية، ذلك الطابع الذي تذكرونه مخبأ في الأدراج المغلقة، وله موظف مختص، مهمته الأساسية في الحياة أن يلزقه على أوراق عباد الله المعطلة دونما سبب، يبله من ريقه، ويصفق به على الصفحة المليئة بالتواقيع والأختام، ليكون الفرج، وتنتهي المعاملة بعد ما تكون قد خمرت خلال أسابيع ويزيد، ولن يدرك بفاجعة ما أتحدث عنه إلا أولئك المجربون في إنهاء معاملاتهم الشخصية في أروقة المكاتب العربية من عدن إلى تطوان، يظل المراجع مهما علت ثقافته، وبلغ تعليمه، جاهلاً حينما يدخل تلك الأماكن المتربة الرطبة التي تفوح برائحة الرشوة، والعيون الزائغة نحو جيوب المراجعين، ويمكن أن يقوده فراش أو مخلص معاملات محترف يعرف بالدهاليز، دون أن يجيد قراءة ما في المعاملة، لذلك يتخصص ويتلصص هؤلاء العاطلون عن العمل، متصيدين ضحيتهم ليطوفوا بها بعدما يمرطوا من جيبه أموالاً تذهب إلى هذا وذاك، توفيراً للوقت والتعب اليومي، فيتنازل قليلاً من أخلاقياته، ويقدم مالاً حراماً من أجل أن يمنع عن نفسه الضغوط، وعدم التفكير بمنطقية الأمور، ويظل يحفي وراء ذلك الطابع المالي حتى يظفر به، ويوشح به معاملته الكريمة، وقد اضطررت هذا الصيف أن أخوض هذه التجربة في إحدى بلاد العرب أوطاني، مستعيناً بمحام، وأنا الذي أتمنى طوال حياتي أن لا أحتاج إلى مراجعة أي دائرة أو أتابع معاملة في أي مكان، لأنها تورث إرهاق الأعصاب، وتدمر الخلايا الحية، وتجعل الفتى الحليم يخرج عن طوره، ومن ثيابه، وبعد كل الدفعات المستحقة وغير المستحقة، وتحسين دخل بعض الموظفين، وتسديد التزامات البعض من مصاريف شخصية، وأقساط مدرسية، خلصنا إلى صاحب الطابع المالي، وقلنا هانت بعد تعب شهر من المراجعات، لكن ذلك الموظف المتقعر في مكانه حتى أخذ الكرسي شكل جسده وتشكله، بحيث يصعب نزعه منه بأي حال من الأحوال، بصر المعاملة، وجلس يتبصرها حتى وجد أن اسم الأب علي دون نقطتين، فتوقف وأحجم ثم تحمرن، وهز رأسه، سائلاً عن النقطتين، لأن الاسم لا يتطابق عما ورد في جواز السفر، وهذا يمكن أن يعيد المعاملة إلى سير صفها الطويل من جديد، فنقمت على النقطتين، و”نقطت” من موقفه المتزمت، وشرحت له: أن الإمام علي “كرم الله وجهه” هو من ابتدع التنقيط، حينما أمر أبا الأسود الدؤلي بذلك، جزاه الله عن أصحاب العربية خير الجزاء، فالأوجب أن تتبع سُنته، لكن “كرمال” أبو الحسن والحسين مشّي هالمعاملة، وأنقدته مثقالاً من فضة، أخذه أولاً، ثم ترحم على “أبو تراب” رضي الله عنه!

amood8@yahoo.com