طرحت قبل مدة، وتطرح اليوم، وعبر المحاكم المختلفة قضية ارتداء ما نريد في ساعات العمل، واقتناء الرموز الدينية والشخصية، وإبرازها للعلن، دون النظر لأي اعتبار لمضايقات شخصية، واعتداء على حرية الآخرين، وجرح مشاعرهم الدينية والأخلاقية.
ومثلما هي مطروحة في الغرب، تطرح عندنا في الشرق بشكل مبالغ فيه، ورغم ذلك هناك نية لدى رئيس وزراء بريطانيا أن يسمح بمناقشة قانون يقر بالسماح لمعتنقي الديانات أن يحملوا رموزها، وإظهارها للعلن، ولكن بشكل مقنن، ولا تثير الحزازات، كوضع الصليب على العنق أو الآيات القرآنية أو النجمة السداسية، ويمكن أن يشمل أيضاً بعض فئات المجتمع التي يقر لها بالحقوق كالمثليين، والسؤال إلى أي مدى يمكن أن ترضخ الشركات لمطالبات الموظفين بارتداء ملابسهم الخاصة في ساعات الدوام الرسمي.
الشركات الكورية والصينية واليابانية الأمر عندها محسوم، وبدل الواحد هناك عشرة عمال، والزي الموحد خلق للانضباطية، والحماسة لروح المؤسسة، أما الدين فهو في المعبد، ولا توجد لديهم وظائف للكهان، ومن يؤمن بالبوذية فعليه مساعدة الفقراء بدلاً من التفاخر برمزها أو التوشح بثوبها البرتقالي الفاقع.
والسؤال يمكن أن يجرنا إلى هل يحق لمضيفة طيران بعد أن تزوجت وتحجبت أن تطلب من الشركة السماح لها بارتداء ملابس لا تفصل جسدها، وتضع حجاباً بدلاً من “كاب” الشركة؟
هل يستطيع مجند يريد أن يطبق السُنة، ويقصّر من بنطاله، متخلياً عن الزهو بالبزة العسكرية أو يفرض الطول الذي يريد في لحيته أو يصر على ارتداء زيه الوطني، ولا يتشبه بالإفرنج؟
كيف يمكن أن يتقبل صاحب معرض سيارات فاخرة بائعاً عنده في الصالة يرتدي القلنسوة أو “الكيباه” اليهودية على بدلة العمل؟ هل يمكن تقبل شاب من النازيين الجدد، يضع على صدره سلسلة وفيها صليب كبير معقوف؟ هل تقبل شركة بترول من موظفة، قررت أن تضع النقاب على وجهها، وتعامل الآخرين من وراء حجاب؟ تصوروا لو أن مؤسسة لبنانية حكومية، وغير مركبة على المحاصصة الطائفية، سمحت للمنتسبين لها أن يرتدي كل منهم رمز طائفته أو حزبه!
ومرة كنت عائداً من الغردقة للقاهرة، وحين صعدت للطائرة ذهلت أن مصحفاً كبيراً ملصقاً على باب “كبينة” الطائرة، وتساءلت هل هذا الأمر بطلب من الشركة المصرية، ومديرها المتأسلم؟ أم أنها مسألة فردية تخص “كابتن” الطائرة ذاك اليوم؟ أو أنه اجتهاد جاء في غير محله، على اعتبار أن هناك فئة من الشعب المصري لا تنتمي لهم الشركة الوطنية، ولو كان “كابتن” الطائرة قبطياً، هل سيسمح له بوضع صليب أو إنجيل على باب “الكبينة”؟ هي مسألة حساسة، الفاصل بين الالتزام والحرية الفردية خيط ضعيف، لكنه ممكن أن يقوى، ويسبب للمجتمعات قلاقل وتمايزاً وربما صراعات!


amood8@yahoo.com