لأن العالم العربي لم يشهد حروباً احتقانية، لم يشهد لها مثيلاً في التاريخ، وأن الخلط واللغط والغلط والشطط مسألة طبيعية وواقعية، وأن الاصطياد في مثل هذه المياه العكرة المتوترة، الظاهرة والمستترة، لا غرابة فيها أبداً، ولأن أهل البيت حولوا بيتهم إلى ساحة حسينية جنائزية، فلا بد وأن يقفز الحائط الخضيض من عشق ضرب الصدور، وتفجير الثغور، وتسوير القضايا بأسوأ الأمور، وجعل القدور تفور وتفور حتى تميد الأرض وتمور، فلا أخلاق عند البعض، ولا أشواق إلا إلى التأزيم والتقتيم والتقييم والتحطيم، وأسر الأرض ومن عليها بسلاسل سوداوية مصممة بنحيب النوايا.
لأن العالم العربي أصبح اليوم المتهم الملاحق من كل ذي نية أو مِرية، فلا عجب من تزييف الحقائق، ولا غرابة من تجريف القول السابق واللاحق، فكل شيء لائق في مرحلة شيمتها الضباب واليباب، والاحتراب والاضطراب والاستلاب، والغياب المتعمد للوعي الإنساني بأهمية استعمال العقل كأداة للتفريق ما بين الحق والباطل، والتمييز بين الصادق المخاتل ووضع حد لكل مماطل، عاطل باطل، لا هوى له ولا غاية، إلا إنتاج البلبلة والزلزلة والخلخلة، لأن البعض كالطفيليات لا يعيش إلا في الأماكن القذرة.
لأن العالم العربي فرط في الثوابت الوطنية، فإنه فتح شهية كل متغطرس، متمرس، متمترس عند ناصية الفرص المتاحة، فاليوم كل الدول في العالم، شرقية أو غربية، كبيرة أو صغيرة، نكرة أو معروفة، تدلي بدلوها، وتضع أقدامها على الحلول في أزمة الوطن العربي، لأن التاريخ علمنا وعرفنا أنه عندما يضعف العرب ويتضعضعون بكبر جيرانهم، وتتضخم أوداجهم، وتتدلى شفاههم نهماً وطمعاً في الفرائس المبطوحة أرضاً.
اليوم، عجز المفسرون والمنظرون والمنجمون، وكل من له نظر وبصر وبصيرة، عن فهم لماذا يسكت العرب عند أزماتهم ويتحدث الآخرون، ويتصدون بصلافة وعجرفة، واضعين أنفسهم الأوصياء والأولياء والخلفاء، وأصحاب التدبير والتعبير والتفسير لأحداث ما يحدث على الساحة العربية، ما جعل الثورات تذهب إلى مشارب ومسارب ومآرب، ومشارق ومغارب لا يعلم إلا سبحانه بنتائجها.
اليوم، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما ستؤول إليه كل هذه الانهيارات الأرضية، وكل هذه الانكسارات في الجبال والوديان، وكل هذه الانحدارات في كثبان الرمل، لأن مصالح الآخرين صارت الدعم اللوجستي الأكيد، والعقال لكل من في نفسه غرض أو مرض أو عرض أو رضض أو خفض.. ويجب أن نعترف أن ما يجري في كثير من البلدان العربية من أحداث قد خرج عن السيطرة، لأن مفتاح الحلول أصبح تائهاً ضائعاً، مغترباً بأيادٍ عدة، وعتاد عديد، ولا جديد إلا مزيد من ضياع المكتسبات الوطنية لكل بلد، وأهمية الحروب الاحتقانية وفوات فرص الحياة لملايين من البشر.. أما الديمقراطية المدعاة فهي صفر X صفر يساوي صفراً كبيراً.


marafea@emi.ae