سلمت يمناك يا عبدالله.. ما أروعك يا “العرياني”.. وما أحلى الذهب الذي اصطدته في المحفل الأولمبي فأسعدت به كل الإمارات، وجعلتنا نستيقظ على صباح مختلف بطعم الفرحة التي أطلت علينا من لندن، تحمل إنجازك الذي رميته من هناك فنزل علينا برداً وسلاماً. وعبدالله العرياني لمن لا يعرفون، أحد فرسان الإرادة النادرين، وما ألم به في حياته كان كفيلاً بأن يزرع في نفسه أشواك اليأس والتحدي، لكنه انتصر على الحياة وعلى اليأس ليسطر ملحمة إنسانية، أقل ما فيها هو الذهب الأولمبي الذي حصده أمس الأول في دورة الألعاب البارالمبية، فكل يوم في مسيرته ومن معه من أبطال الإرادة يمنحهم قلادة مجد لقهرهم ظروف الإعاقة، وإقبالهم على الحياة وقدرتهم على تحقيق ما يعجز عنه غيرهم. العرياني الذي كان ضابطاً يفتح ذراعيه للدنيا التي لا تسع أحلامه، ابتلاه القدر في حادث سيارة فخضع لعدة عمليات، وقضى شهوراً طويلة يتنقل بين نوافذ الأمل والرجاء قبل أن يكتشف في النهاية أنه من يصنع الأمل، وأنه ليس عليه انتظاره، فكان قراره بأن يعاود الحياة حتى وإن أقعدته الإعاقة.. اتخذ قرار التحدي فانتصر في معركة الإرادة التي يفشل فيها الكثير منا. العرياني ليس قصة بدأت في لندن لكنه عنوان ناصع، ومصدر فخر لكل إماراتي وما حققه في لندن رسالة بالغة المعاني لأطراف كثيرة.. لغير المعاقين بأن الإرادة عنوان النجاح، وللمعاقين بألا تيأسوا فلديكم القدرة على أن تكونوا أفضل وأروع منا، والإعاقة ليست بما فقدنا من قدرات جسدية ولكن بما عطلنا من حواسنا الكامنة ومن بصيرة.. والإنجاز درس للمسؤولين بأن العطاء يجب أن يكون لأصحاب العطاء دون تفرقة، ودون أن نلهث خلف سراب يخدعنا في كل مرة ونصدقه أيضاً كل مرة. وما حققه العرياني درس مهم للرعاة من الهيئات والمؤسسات والشركات بأن هذه الفئة من فرسان الرياضة أحق من غيرها بأن تتجهوا إليها، فلا ينبغي أن نكون نحن أيضاً عبئاً عليهم يضاف إلى عبء الإعاقة، وعلينا أن نرى كيف يتعامل العالم مع هؤلاء، فهم في الكثير من الدول حالهم كغيرهم ومكافآت الأبطال هناك متساوية لا فرق بين معاق وغير معاق، والشركات ترعى هؤلاء وأولئك. بالمناسبة.. لبعض الوقت كنت أظن أن منافسات المعاقين في البطولات مصممة من أجل تسليتهم، وأنها خفيفة وسهلة وأن بإمكاني أن أرمي كما يرمي العرياني أو الأحبابي وربما أفضل، أو أن أرفع ثقلاً مثل محمد خميس وأجري الكرسي أسرع من وحداني، قبل أن أكتشف أن ما يفعلونه نعجز نحن عن الإتيان بعشره، إذ ليس بإمكان أي منا أن يرمي رصاصة لتستقر في قلب هدف كنقطة القلم، ولن يستطيع خمسة منا أن يرفعوا ما يرفعه خميس، وما يبذله وحداني يفوق ما يبذله بطل العالم في ألعاب القوى من غير المعاقين. شكراً للعرياني فقد منحنا تلك السعادة وشكراً لكل من عاونه، وشكراً لأسرته التي كافحت وصبرت معه فأهدتنا بطلاً من ذهب. كلمة أخيرة: البطل الحقيقي هو صاحب الإرادة فمن امتلكها امتلك كل شيء. mohamed.albade@admedia.ae