من يعيش المشهد السياسي في الوطن العربي، والعالم أيضاً، ومن يتابع ما يحدث من صراعات دموية يندى لها الجبين في بلدان العرب، يشعر أنه لا فرق بين الديموقراطيين والديكتاتوريين، فالدم العربي يُراق من كل وريد، لأن الأختين جاءتا من بطن واحد، ومن أصلاب عدة. ما يجعل الخلاف حول الأهداف ظاهرياً، وما يبطن هو واحد، السعي إلى الاستيلاء على السلطة، وبسط النفوذ وإبقاء الشعوب تحت سطوة المسميات التي جردت من المعنى والمضمون.. بعض الدول العربية التي قفزت على حبل السلطة، وأطاحت أنظمة وأحزمة متورمة، أعادت إنتاج المضمون السابق نفسه، بأدوات قبلية وطائفية، ومللية، تحت ذريعة حرية التعبير، والتدبير، والتطوير، وما كل ذلك إلا تخدير الوعي العربي، وتأخيره وتسويره، وتحويره وتسطيره، وتقتيره وتحريره من كلمة إلى كلمة أخرى، أكثر بريقاً وتتلاءم مع الصرعة العالمية، وبما يناسب فئة هُمشت لفترة، فأرادت أن تخرج من شرنقة التهميش، فاخترعت هذه التكنولوجيا الفتاكة التي سمتها الديموقراطية، أي أنهم صنعوا الكذبة وصدقوها، وساروا خلفها كالأنعام، ولا يهم أن يموت الأنام، وتصير الأوطان كالأجرام المتصادمة المفتتة.. ولا تستطيع أن تفسر ما يحدث في الوطن العربي، وهذا الجري فوق أشواك التفتيت والتشتيت، وتفويت فرص الأمان والاطمئنان، إلا بهذا المعنى، لأن ما حدث بعد غث ورث، لا يذهب بالفكرة إلا إلى التشاؤم من حراك المتحركين باتجاه ديموقراطية لم تفعل غير فعل المساحيق، على وجوه قبيحة، متقيحة متأرجحة ما بين الموت والحياة، والأسود والأبيض، والكراهية التي حولت دنيا العربي إلى أشتات وفتات وثارات، وهزات ورجات، ورضّات وخضّات، تمضي بالأوطان إلى ما لا نهاية له من بؤس ورجس، وحظ نحس، وواقع بخس، وحياة يختلط فيها الطاهر والنجس.. لهذا لا نستطيع أن نفهم الديموقراطية خارج ثوب الديكتاتورية فقط، بثوب مرقع، أشبه بسروال آسيوي، خرج تواً من كهوف الدهشة المزرية.. لا نستطيع أن نفهم الديموقراطية، والديموقراطيون يخرقون حاجز الصوت وهم ينادون بالحرية، وعندما يتربعون على كرسي السلطة، يختزلون المكان في أمكنة متعددة، ما يجعل الأوطان تنوء بالفرقاء الذين لا طبل ولا عصا يجمعانهم، بل النفوس الشريرة، أسيرة الحقد والكراهية لكل ما هو قائم ومقيم.



marafea@emi.ae