أخيرا قرعت أجراس المدارس لتعلن عن قدوم ذلك الطالب المجتهد المختبئ تحت عباءة والديه، ويبدأ يوم جديد مليء بأصوات تزاحم زقزقة العصافير في الصباح الباكر. هناك طفل يبكي “ما أريد أسير المدرسة”. وآخر يتذمر “وين شنطتي؟” وأبواق الباصات ترتفع لتوقظ الطالب المجتهد المختبئ داخل دفء المنزل، خطوات صغيرة تتقدم بثقة وأخرى بثقل، حالة استنفار عند الأهل وخصوصا الأمهات…”وين المشط…لا لا مريول المدرسة لا تلبسها..يالله ياماما أفطر..ماشي غياب اليوم أول يوم…اسمع كلام المدرسة وأحفظ الجدول.. و و و و”.. إلخ. وصايا لا تنتهي حتى بعد مغادرة هذا المجتهد. هناك الكثير من التعليمات والإرشادات التي تستقبله بها، بالإضافة إلى فتح تحقيق مفصل عن يومه الأول. جميل مثل هذا الاهتمام من قبل الأمهات والأجمل أن نراهن بالقرب من أبنائهن وخصوصاً الأمهات العاملات اللواتي يجاهدن ويناضلن من أجل الوفاء بالتزاماتهن المنزلية والفطرية. أذكر أن إحدى صديقاتي أبلغتنا باستقالتها وعندما استفهمنا منها عن السبب ردت قائلة “أبنائي أولى، ففي مستقبلهم نجاحي وتفوقي، أنا أم أولا وأخيراً”. نعم هي أم وهي محاسبة في ظل انشغال الأب!! استغرب بالفعل كلمة “انشغال الأب” وكأن الأم العاملة ليست منشغلة! ليس كل الآباء منشغلين، ولكنها كلمة دائما ما تقال لتبرر غياب الأب، نعم هناك نماذج عكسية وأخرى معتدلة فيها انسجام تام بين أدوار الأبوين، إلا أنها جميعاً تصب في نفسية طالبنا المجتهد، الذي حتما يحتاج إلى أبويه، وإلى وصاياهما وإرشاداتهما وتحقيقاتهما وحرصهما، بهما تكون الطرق مضيئة وسالكة للعبور بهم تكبر الأحلام وتكون أقرب إلى الواقع إن لم تكن الواقع. لن ننشغل عن المجتهد فهو اليوم يفتح أول أبواب المستقبل، فطابور الصباح لن يكتمل إلا بحضوره في أول الصف، ولن تقلب صفحات الكتب إلا بأصابعه الصغيرة حتى الواجبات لن تكتمل إلا بتوقيعه عليها، وستظل بصمات يديه قابعة على تلك الأقلام، شخبطاته سترسم في ذاكرته، وأحلامه التي يحملها ستفوح يوما من حقيبة يده، هكذا هو الطالب المجتهد أو على الأقل هذا ما نأمله من كل طالب. دائما ما نطالب التلميذ بالتفوق ونحثه على التفوق لأنه بتفوقه هذا يثبت اجتهاده، وبين النفور والقبول يعيش هذا الطالب يتخبط في اجتهاده، وننسى أننا في العلم لسنا في سباق وإنما نقف أمام معرفة يجب أن تزرع بذورها بالترغيب، فالتفوق ليس بأن تكون الأول في المدرسة ولكن أن توظف هذه المعرفة في الحياة بما يجعلك بالمقدمة. ويبقى الطالب مجتهدا شاء ذلك أم أبى فالاجتهاد ليس خياراً في ظل وجود الرقيب بل الزام. ameena.awadh@admedia.ae