يأتي تطوير الأحياء القديمة في رأس الخيمة "رأس الخيمة القديمة - المعيريض - الرمس" ضمن مشاريع التطوير التي تشهدها الإمارة مواكبة للنهضة الشاملة التي خطتها الدولة، وتوفير الحياة الهانئة لإنسان الإمارات، وإسعاد حياته بما يتلاءم ومتطلبات العصر.
ولأن هذه المناطق الثلاث في رأس الخيمة، هي الأقدم في الإمارة، وتعاني عاصفات الدهر، فهي حقاً بحاجة إلى ما يعيد لها العافية ويحقق لها الصحة الكافية، لأنها بحق مآل الذين كفوا ووفوا، ووقفوا وقوف الصناديد، في مواجهة زمن عانوا فيه الشغف والشظف، ومن طين سواعدهم السمر شيدوا بنيان الألفة، وبيان الأنَفَة، وصبروا على اللظى واللهيب بقلوب أحبت حبات التراب، كما عشقت فلذات الكبد.. فعلاً هذه المناطق الثلاث بحاجة إلى عناية خاصة، لأنها تمثل وجدان الإنسان وذاكرته وتاريخ كده وكدحه، وهي العيون التي ظلت تسهر حارسة للمكان والزمان، ومشاعر الإنسان وما تركها من معانٍ، هي الخضاب الأخضر والسحاب الممطر، والجواب المسطر بأسئلة لا تضمر ولا تقتر بل هي تسفر عن تضاريس مجتمع، بُني من طوب العلاقات الإنسانية الجميلة، والمعاني النبيلة والقيم الأصيلة، ونتمنى أن يشمل التطوير إعادة المعنى والمغزى لتلك البيوت في هذه المناطق، وتطهيرها من عبث اللامبالاة، وتأطيرها بقوانين لا تسمح للعابثين أن يرموا احتقانات نفوسهم في الأزقة، التي أصبحت تحت سطوة هذا العبث كأنها مخازن للقمامة.
نتمنى أن يلمس التطوير شغاف الحقيقة في هذه المناطق، وأن يحمي أزقتها من حبال الغسيل المتدلية، كالأفاعي التائهة، وأن تمارس البلدية في رأس الخيمة دور الضابط المرابط عند أسوار الجدران، التي باتت تشكو اللامبالاة، وعن الذين يشوهون المكان بسلوكيات لا تمت بصلة قيم أهل البلد، وأتمنى أن يطال التطوير تنظيف الأحياء من العزاب، الذين يملأون الأزقة، رافعين "الوزار" حتى ما بعد الركبتين، واقفين عند كل زاوية ومدخل، يرصدون الفراغ بعيون زائغة شاخصة وكأن على رؤوسهم الطير.. أتمنى أن يقف التطوير على حال الأماكن والبيوت المهجورة، ليستفيد منها الأبناء والأحفاد، بدلاً من أن يقذف بهم في بطون الصحاري ووسط الكثبان الرملية المخيفة.. وأتمنى أن يفهم الناس أن الراحة النفسية لا تتوافر بالمساحات الواسعة، من الأحواش والأفنية، بل بسعة الصدور، والقبول بالمكان كونه المنبع والمنبت، والأرض التي أنجبت الدمعة ممتزجة مع الفرحة، والمحافظة على المكان ورائحة المكان، حفظاً لما سطره التاريخ من جذور لابد من إروائها بماء المكرمات، ولابد من تفعيل الذاكرة وإحيائها، وإعادة تأثيثها بسجادة الأجداد بألوان الحاضر، وزخرفة المستقبل..
فكرة رائعة الالتفات إلى إعادة ترتيب وتهذيب وتشذيب شجرة المكان، لأنها فكرة جزء من الحنين الواعي، لقيمة المكان ومكانته في العقول والأفئدة.. ونتمنى التوفيق لكل محب لهذا الوطن.


marafea@emi.ae