التأزم في حياة العربي من صنعه؟ هل هو نتاج مراحل تاريخية من فرض الزعامة الفردية، وتقزيم الجموع؟ لذا خرج الكثير من الصعاليك والثائرين والمتنبئين والشعراء والمنبوذين من وشم القبيلة في فترات من التاريخ العربي قبل الإسلام، وفي فترات الدولة الإسلامية، ونشوء المدنية، والبعد عن تقاليد الصحراء والبداوة، والاختلاط بثقافات وشعوب مختلفة، حدّت الخلافات فيما بينهم، والاختلافات فيما بين ثقافتهم وثقافات الشعوب الأخرى، لظهور زعامات دينية، ومذاهب فرعية، ومدارس فكرية تحولت لمواجهات مسلحة، وتصفيات سياسية عنيفة. هل التأزم هو نتاج مناخ جغرافي يجعل العربي ينفر من أي شيء، ولا يتواطن ويتآلف مع الأشياء جديدها وقديمها، إلا بما يسمح هو نفسه من فسحة من وقت؟ حدوده السماء الزرقاء، ومتاهة الصحراء الساكنة في داخله، ولا يهرب منها إلا إليها.
هل التأزم هو نتاج تراكم من عقد اجتماعي عبر التاريخ غير واضح المعالم، ولا ينمي الشخصية العربية، ويخلصها من عيوبها لكي تصبح سوية، بعيدة الرهاب والهروب وسطوة النص في مواجهة الحياة، ففي قديمهم كانوا يؤون المستجير والزبين، ولو كان قاتلاً لأحد أقاربهم، ويؤمنون الجارة حتى يواري الجارة مأواها، لكنهم كانوا يغزون قبائل ساكنة بالقرب منهم، ويستحلون نساءهم، ويستعبدون أطفالهم، ويمكن أن تدور رحى حرب تدوم أربعين عاماً على ناقة خوّارة، ويمكن أن يهاجروا جماعات لكي يستكينوا، ويظلوا تابعين للفرس كالمناذرة، وللروم كالغساسنة، ويمكن أن يتحالفوا ويهزموا الفرس.
هل هذا التأزم هو من طبيعة الشخصية العربية البعيدة عن الالتزام، وحكم القانون والتعقيد المدني، ميسون بنت بحدل الكلبية تهرب من معاوية وقصور الشام إلى باديتها وإلى بيت تخفق الأرياح فيه أحب من قصر منيف، ولبس عباءة، وتقرّ عينها، أحب إليها من لبس الشفوف، في حين أن أعرابياً قريب عهد بالإسلام، خرج غازياً، لكنه ما إن وصل الشام، ورأى من نسائها، وبرد جوهها، ومجرى بردى، والأعناب وقطوفها الدانية، حتى قال: إن كانت هناك جنة، فهي هنا أو هنا.
العربي اليوم هو نتاج هذا الخليط والجمع من الأشياء، لكنه كان قادراً في زمنه البعيد على التعبير اللفظي والضمني، وكان قادراً على الخروج عن النص دونما رهبة من قدسية، وكان يشهر سيفه إن عضّه الجوع، وكانت المرأة تقول رأيها جهراً دونما حجاب أو عقاب أو خوف من جمع المذكر السالم والمغاضب من كسر ضلعها الأعوج، ويقول الخليفة عمر من على منبر الرسول الكريم: لقد أصابت المرأة، وأخطأ عمر، لكن العربي المعاصر، والمحاصر بالمدنية التي لم يستوعب تعقيداتها كلياً بعد، والمكبل بإهانات من حكم الداخل، والمستهزأ به من حكم الخارج، متأزم إلى حد الكفاية، لدرجة أن يثلم شرفه الذي يراق على جوانبه الدم، ولا يقوى أن يسلّ سيفه من غمده!


amood8@yahoo.com