المحبة تجري على الشيء ويكون المراد به غيره، وليس كذلك الإرادة، فتقول: أحببت زيداً، والمراد أنك تحب إكرامه ونفعه، ولا يقال: أردت زيداً، بهذا المعنى، وتقول: أحبّ الله، أي أحب طاعته، ولا يقال: أريده، بهذا المعنى، فجعل المحبة لطاعة الله محبة له، كما جعل الخوف من عقابه خوفاً منه، وتقول: الله يحب المؤمنين، بمعنى أنه يريد إكرامهم وإثابتهم، ولا يقال إنه يريدهم بهذا المعنى، ولهذا قالوا: إن المحبة تكون ثواباً وولاية، ولا تكون الإرادة كذلك. ولقولهم: أحب زيداً، مزية على قولهم: أريد له الخير، وذلك أنه إذا قال: أريد له الخير، لم يبن أنه لا يريد له شيئاً من السوء، وإذا قال: أحبه؛ أبان أنه لا يريد به سوءاً أصلاً، وكذلك إذا قال: أكره له الخير؛ لم يبن أنه لا يريد له الخير البتة، وإذا قال: أبغضه، أبان أنه لا يريد له خيراً البتة، والمحبة أيضاً تجري مجرى الشهوة، فيقال: فلان يحب اللحم أي يشتهيه، وتقول: أكلت طعاماً لا أحبه، أي: لا أشتهيه، ومع هذا فإن المحبة هي الإرادة، والشاهد أنه لا يجوز أن يحب الإنسان الشيءَ مع كراهته له. وأراد الشيءَ: شاءَه، الإرادَة تكون مَحَبَّة وغير محبة؛ فأما قوله: إِذا ما المر ءُ كان أَبوه عَبْسٌ، فَحَسْبُكَ ما تزيدُ إِلى الكلام فإِنما عدّاه بإلى لأن فيه معنى الذي يحوجك أو يجيئك إلى الكلام؛ ومثله قول كثير: أُريدُ لأنسـى ذِكـرَها، فكأنما تَمثَّـلُ لي لَيْـلى بكلِّ سـبيلِ وقوله عزّ وجل: “فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضَّ فأقامه”؛ أي أقامه الخَضِرُ. وقال: يريد والإِرادة إِنما تكون من الحيوان، والجدارُ لا يريد إِرادَة حقيقية لأنّ تَهَيُّؤه للسقوط قد ظهر كما تظهر أفعال المريدين، فوصف الجدار بالإِرادة إذ كانت الصورتان واحدة؛ ومثل هذا كثير في اللغة والشعر. بهاء الدين زهير: وحســناءَ ما ذاقتْ لغـيري محـبةً ولا نغصـــتْ لي حــبها بشـــريكِ تسـائلُ عن وجـدي بها وصــبابتي فقُلــتُ أما يَكـفيكِ مَــوْتيَ فيــكِ وَكـانَتْ تُســـَمّيني أخــاهَا تَعـــَلّلاً فقلتُ لهَا أفسَــدْتِ عَقـلَ أخـيكِ تركـتُ جَميعَ النّاسِ فيــكِ محــَبّةً فيا لَيتَ بَعـضَ النّــاسِ لي ترَكوكِ رَأوْكِ فقالوا البدرُ والغُصْنُ وَالنّقــا ولا شــكّ أنّ القـــومَ ما عـــرفوكِ لعمــركِ قد أذنبـتِ حينَ ظلمــتني كــذا الناسُ في تشـبيههمْ ظلموكِ ولم تظــلمي إلاّ بقـــولكِ قــد سلا أمثــليَ يســــلو عــنكِ لا وأبيـــكِ Esmaiel.Hasan@admedia.ae