توجس محمود جبريل زعيم تحالف القوى الليبرالية الفائز في الانتخابات الليبية، من الوضع في بلاده معلناً أن ليبيا قد تشهد وضعاً مأساوياً يشبه الوضع الصومالي لأن المسلحين غير الراضين عن فوز حزبه "ديمقراطياً" يرفضون إلقاء السلاح، ويعيثون خراباً ودماراً في البلاد .. وماذا بعد؟
أليست هذه هي الديمقراطية التي أرادها من وقف في وجه الديكتاتورية، أم ماذا كان يريد من حمل السلاح وحارب بعنف وشراسة لإسقاط نظام الحكم السابق؟.. من يقرأ المشهد الليبي الآن يكتشف أن الديمقراطية غلاف سميك لا يستطيع من تربى على وضع اليد على الزناد أن يخترقه بأسلوب حضاري شفيف وأن ما قيل وحيك من أجل الديمقراطية المزعومة مجرد كلام في الهواء الطلق
لا يمكن أن يطبق على واقع الحال في مجتمعات نحتاج إلى زمن كي تنقى رئاتها من شوائب الاحتقان، وتنظف قلوب أهلها من دخان قديم قدم الدهر.. الصومال كان يحكمه شخص اسمه سياد بري، ذهب هذا الرجل بعد مخاض عسير وبعد دماء وأشلاء ملأت شوارع العاصمة مقديشو، واليوم وبعد زمان من الحرمان، وتبدد الديمقراطية في هذا البلد مجرد حمل كاذب داهم عقولاً مراهقة، فتجلى بعد ذلك سراباً وخراباً وقرصنة وقوارب تجول وتصول في البحار.
ويعذر السيد محمود جبريل إن شعر بالقلق على بلاده من الذين تأبطوا شراً بالبلاد، وحملوا أدوات الموت وجابوا الشوارع، مطاردين الديمقراطية وكأنها لص استولى على طموحاتهم وأحلامهم الدموية.. الديمقراطية التي كانت حلماً وردياً ينشده كل مواطن ليبي أصبحت أرنباًَ مذعوراً تطارده الأسلحة المحمولة على الأكتاف، لأن هذه الأدوات المميتة لا تتلاءم ولا تتواءم البتة مع إطلاق صوت حر يعترف بالصوت الآخر ويحترمه ويقدره حتى وإن اختلف معه.
ديمقراطية المسلحين مخيفة ومرعبة، لأنها ديمقراطية بأسنان حادة وفتّاكة لا تنسجم أبداً وأحلام الناس الطيبين ولا يمكن أن يقبلها أصحاب العقول التفجيرية والنوايا المبيتة والخبيثة .. من حق محمود جبريل أن يقلق لأن ما يحصل في شوارع بنغازي شيء أشبه بالحرب بالوكالة تديرها عقول خربت بالأطماع والأفكار الشوفينية والتجزيئية.. من حق الرجل أن يقلق وأن ينبه وأن يحذر، لأن ما يحصل في بلاده قد غادر منطقة الديمقراطية مع نزوح الديكتاتورية ليصبح الوضع الليبي ضبابياً قاتماً مرعباً لا يبشر بخير طالما ارتفعت أصوات البنادق وغاب الحوار الحضاري، وتلاشى التفكير في بناء ليبيا حرة، ديمقراطية حضارية تنظر إلى المستقبل بعين متفائلة، وتشعر بالحاضر بقلوب يملؤها الحب للآخر من دون تمييز أو تفريق ما بين مصراته أو بنغازي أو طرابلس.


marafea@emi.ae