الأحداث العظام تحتاج إلى قدرة فائقة على المواجهة والمجابهة، والمقارعة، ولا يمكن لوطن أن يستتب أمنه وتستقر أحواله، إلا بحضور العقل اليقظ، والضمير الحي، والثقة بالنفس، والانتماء الحقيقي غير المزور والمحور والمكور والمدور والمسور بأغلال الأشياء والأرباع والأنصاف من الذين يجب عليهم اتخاذ الموقف الحاد والجاد والذي لا يقبل أنصاف الحلول.
بلادنا اليوم تواجه حملة شعواء كأداء من أولئك الذين غللوا أنفسهم بقيم مشبوهة، وشيم مكروهة، وحتى يستطيع المجتمع الخلاص من هذه الآفة الثقافية المريضة، فلا بد من الالتفاف حول الوطن والاصطفاف حيال قضيته العادلة، لدحر الإسفاف والاستخفاف، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وتوجيه البوصلة نحو الحق والحقيقة، بدون مواربة خيال المستحي المكتظ بالاستنكار والشجب اللذين لا معنى لهما ولا مغزى ولا مضمون. والدور المهم والمحوري والجوهري منوط بالشريحة المثقفة، وإذا نامت هذه الشريحة أو سهت أو غفت أو غفلت أو تساهلت أو تجاهلت فإن على الوطن السلام، فالفئة المستغلة والانتهازية تبحث عن الفراغ وتخلي المثقف عن دوره يجعل من هذا الفراغ وسيعاً تسكنه الطفيليات وكل من في نفسه مرض أو غرض.
لا نوجه اللوم إلى أحد، بقدر ما نتمنى من الجميع أن يقفوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ويعضد جزؤه الجزء الآخر، فهذا الجسد، هذا الوطن لا يتحمل الصمت ولا يتحمل الصوت الخافت ولا التلميح، بل هو بحاجة ماسة إلى التصريح الواضح، الناضج بمشاعر الانتماء والاحتواء لكل ما يهم الوطن، ويحسن التعامل مع قضاياه الجوهرية. فقد يساوم البعض، وقد يقاوم البعض الآخر مشاعر متناقضة مبهمة غامضة لا تشير إلا إلى فراغات متناهية، والوطن يقول لا للإبهام ولا للغموض، بل أريد من الجميع أن يعطيني كما أعطيته، وأن يفديني كما أثريته بالمقام والمآل والأحوال.
الوطن اليوم يريد موقفاً جريئاً وشجاعاً، لا يتردد ولا يتعهد ولا يتبدد لأنه لا مجال للمواقف الرمادية، في مرحلة اتضحت فيها الصورة، وأسفر المشهد عن تنامي خصوم لا عهد لهم ولا وعد، ولا سد، ولا قيم غير المصالح الذاتية التي تورمت وتقيحت ونثرت صديدها حتى قزز النفوس. خصوم اختاروا الانحياز إلى غير الوطن، وإلى غير مصالحه وأمنه واستقراره، إذاً فلا بد من أن يكشف المثقف عن قناع الدهشة والذهول، ويعرف جيداً أن الموقف الحقيقي هو الدفاع عن الوطن لأنه دفاع عن الشرف وعن قيم الإنسان في هذا البلد.



marafea@emi.ae