لا نقول وداعاً، ولكن إلى لقاء، لخير ضيف ما شبعنا من حلوله بيننا، سرعان ما حل وسرعان ما مضى، في طرفة عين أو أقل، ولكنه كما هو دائماً يأبى إلا أن يكون ضيفاً خفيفاً محبباً، يودعنا ولكنه لا يتركنا إلا ويقدم لنا ضيفاً جديداً لا أحلى ولا أبهى ولا أسعد، يأبى رمضان إلا أن يكللنا بضيف آخر، بعيد الفطر السعيد، ليسعد كل من صام إيماناً واحتساباً، يشبع بطوناً صامت عن طعام ويبرّ أيادي ابتعدت عن أفعال الشر، وجعلت من أيام الشهر أيام عطاء بالليل والنهار، ويطيّب ألسناً صامت عن الغيبة والنميمة وفحش القول، وليطمئن نفوساً وأرواحاً ترفعت عن دنايا الدنيا، وهامت في حب خالق رحيم يرحم عباده ويفتح لهم أبواباً واسعة من المغفرة. شهر مضى كسحابة ماطرة، اغتسلت بها النفوس والأرواح، متطهرة من كل غلّ وحسد، مترفعة عن كل ما يسيء ويدنس، في رحلة سياحية في رحاب مدرسة تهذيب النفس وتطويعها وترويحها، فصامت الأفواه عن الطعام والألسن عن السباب والغيبة والنميمة وتخلصت النفوس من الحسد والتكبر، ليتضامن الغني مع الفقير بلا مَنّ أو أذى، ويصبح المجتمع جسداً واحداً متضامناً، إذا اشتكى منه عضو تداعت لها سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وفي هذه المحطة توقف كل واحد مع نفسه، في مرآته، عارضاً أخطاءه وزلاته، إما آملاً أن يثبت على فعل الخير في رمضان، أو منتظراً فوت رمضان ليعود إلى ما كان عليه من تيه وضياع قبل حلوله، ولسان حاله يقول «تعبنا»، و»كأنك يا زيد ما غزيت»! ها هو العيد قد أتى حاملاً الهدايا والجوائز، والفرحة لمن نجح في امتحان الشهر، وها هو التتويج لكل القلوب الطيبة والأيادي الرحيمة التي لم تكلّ ولم تمل عن فعل الخير في الليل والنهار، وها هو العيد يتلون بألوان الفرح على وجوه الأطفال المتهللة بالخير، المقدودة من البراءة. ولا يكتمل العيد إلا بتذكر ضعفاء وفقراء بين ظهرانينا لا يسألون الناس إلحافاً، متعففين، فلنبحث عنهم، متزكّين بحلال مالنا، لينعم ويفرح أطفالهم كما يفرح أطفالنا، ولا يكتمل الفرح إلا بفرحهم ورؤية الابتسامة على وجوههم. ولا يكون العيد إلا بتصالح القلوب ونسيان الخلافات والأحقاد، والتصالح مع الذات، ولا بد لنا قبل أن تكسى أبداننا أن تكسى قلوبنا بحلل الحب والخير، ولنتذكر دوماً أن العيد في القلوب ولن نرى فرح العيد على الوجوه، إذا لم تفرح هذه القلوب. ابن دراج القسطلي: لـك الفـوزُ مـن صــوم زكـيّ ومـن فطــر وصلتهمـــا بالبــر شــهراً إلــى شـــهرِ فناطـق صـدق عنـك بالصـدق والنهـى وشـاهد عــدل فيــك بالعــدل والبــرِ Esmaiel.Hasan@admedia.ae