بالنسبة للسلطان سليمان القانوني فإن كتب التاريخ قد اتفقت على أنه واحد من أعظم سلاطين سلالة بني عثمان، وأن امبراطوريته قد امتدت لتشمل أراضي وصلت إلى أصقاع بعيدة شرقاً وغرباً حتى تغلغلت إلى أوروبا فوصلت إلى النمسا وضمت اليونان وفرضت سلطتها على البحر المتوسط ودفع لها تجار البندقية ضرائب الحماية وانحنوا أمام كبار وزرائها، وقد هابه ملوك أوروبا فعقدوا معه اتفاقات الصلح وقدموا له الهدايا والهبات وأطلقوا عليه اسم السلطان العظيم، كل ذلك كان بفضل الفتوحات الكبيرة والجيش الضخم الذي كان يخدم توسعات الدولة ويحفظ هيبتها، إضافة لكل هذا فسليمان القانوني قد سمي كذلك لكثرة ما سن من قوانين لما كان يشكله القانون والعدالة من هاجس دائم في تفكيره وسلوكه وطريقة حكمه.
إن لكل عملة وجهين وإن لكل دولة أحوالا ولكل ملك ساعات جد وساعات غفلة، والا ما سقطت حضارات ولما انهارت امبراطوريات عظيمة عبر التاريخ، صحيح أن الخطر الخارجي والمؤامرات تلعب الدور الرئيس في ذلك إلا أن عوامل التآكل تبدأ من الداخل عادة ! وقد بلغت الامبراطورية العثمانية شأنا عظيما في القوة والتوسع والترف والتقدم في كل المجالات، ومن هنا بدأ الدمار يزحف إليها تدريجياً، إن الأمر المؤكد هو أن معظم سلاطين هذه الدولة قد تحدروا من آباء اتراك لكن من أمهات كن في الأصل جواري روسيات أو من تلك البلدان الأوروبية التي غزاها العثمانيون وتوسعوا فيها، ما قاد الى وجود مملكة أو امبراطورية موازية لسلطة السلطان المعلنة، تلك كانت امبراطورية الحريم أو الجواري اللواتي كن في معظمهن روسيات أو أوروبيات عامة.
إن مملكة الجواري كانت ترزح تحت ثقل مهيب من الترف والفراغ والمؤامرات لنيل شرف القرب والحظوة من السلطان ورجالات الدولة العظام، وإن وجود محظيات بهذا العدد المهول واللواتي كن يقدمن كهدايا للسلطان ووزرائه قد أشعل نيران الغيرة وملأ كتب المؤرخين بحكايات تحولت اليوم إلى أعمال درامية ومسلسلات أضيفت إليها بهارات الحبكة الفنية وضرورات الجذب والشد والإبهار، ولاشك في وجود مبالغات وتجاوزات في التاريخ وعلى التاريخ لكن لا يمكننا إنكار كل شيء دفعة واحدة والقول بأن السلطان سليمان كان لا يفعل شيئا سوى الجلوس إلى مجلس الحكم وإملاء القوانين أو التجهز للقتال والمعارك، لابد من النظرة الموضوعية والمنطقية أيضا للأمور، فالفساد كان يعبث في مفاصل الدولة وهذا مؤكد من كتابات المؤرخين كافة . لقد لعب الحريم دورا في إسقاط الدولة، ولعبت الجواري الروسيات واليهوديات دورا، ولعب يهود الدونمة دورا، ولعب صراع الأبناء من أمهات مختلفات دورا ولعب الوزراء الفاسدون والطامعون وأصحاب المصالح دورا، فالسلطان لم يكن يدير الدولة المترامية الأطراف وحيدا، بل كان يحكمها ويبسط اسمه ونفوذه عليها أما الذين يديرون ويدبرون فكانوا أشخاصا آخرين كانوا سببا في تخلف أصقاع كثيرة من بلاد العرب التي حكموها دون أن يطوروها، لقد شاع توارث الوظائف وشرائها وتقديم الجواري لضمان رضى الوزراء وتدخل النساء في شؤون الدولة وغير ذلك، فلماذا الغضب عند الحديث عن التجاوزات وكأنه يتوجب القول إن دولة حكمها سليمان القانوني كانت المدينة الفاضلة ؟
ربما لم يكن السلطان بهذا التهافت والقرب من الحريم وشؤونهن، لكنه كان رجلاً محاطا بالكثير منهن على أية حال !



ayya-222@hotmail.com