خوفنا العميق.. ليس لأننا نشعر بالنقص.. خوفنا العميق، يكمن في معرفتنا بأننا ممتلئون بطاقة لا حدود لها. إنه نورنا ذلك الذي يخيفنا وليس عتمتنا. نحن نسأل انفسنا: من أنا حتى أكون متألقاً، بهياً، موهوباً، أو خرافياً؟ حقيقةً.. من أنت؟ هل تقنع بوضعك إنساناً ضئيلاً، محدوداً خفيض الجناح؟ حسناً.. ليكن لك ذلك لكن الضآلة لا ضياءَ لها، والناس حولك لن تستشعر الامان والطمأنينة!. نحن ولدنا كي نكشف عن عظمة الروح الكامنة فينا، وهذا الكشف لا يختص به أحد دون الآخر، وحين ندع نورنا يشرق فإننا ندعو الآخرين كي يكونوا مثلنا في الوقت ذاته. وإذا تحررنا من مخاوفنا، فإن ألق حضورنا سوف يحرر الآخرين من مخاوفهم، دون وعي منهم!. ??? الإنسان في هذا العصر الخشن، صار فريسة الحصر النفسي، بسبب الأسيجة التي تعلو، والقيود التي تتجسد في آلاف التفاصيل الرتيبة المهلكة، والعلاقات التي أضاعت المحبة والتلقائية والنقاء. في كل مكان يوجد فيه الإنسان، يسود القلق والحصر حياة الناس. في الشرق كما في الغرب، في الشمال كما في الجنوب. وما من خلاص سوى عودة الإنسان إلى نفسه، يستنهض فيها القوة التي خارت، والحب الذي تدجن. وليس له سوى أن يحيا وفق روح الشعر وحكمته: قل الحقيقة، واحيا بقلبك.. كن عفوياً، تلقائياً، بادئاً وعش حياتك بعمق لحظاتها.. لا تندم، لا تحمل نفسك ذاكرة الألم. من الحب دائما انطلق وتحمل مسؤولية تجربتك. اولع بما تشاء وكن مغامراً. غص عميقاً.. عميقاً في الحياة. قف مع الآخرين في محنهم، وإذا استشعرت الكمال فابحث عن انسان يقتسمه معك وكافئ نفسك بعد كل عقبة تجتازها. ليملؤك العرفان على نعمة وجودك في الحياة. ??? في مراحل العمر الفتي، حين التفتح الأول لطاقات الإنسان، يستبد به شره لمعرفة كل شيء عن كل شيء. وبعد النضج تحيله الحياة إلى معرفة أحادية. كأن النضج نوع من التدجين.. كأنه احتباس في نمط. في النضج ننتقي نوعاً من المعرفة ونتخصص فيه، وتتنحى المعارف العديدة والجميلة تلك التي اكتسبناها أيام التوق للاكتشاف والبحث ـ في الآن نفسه، إلى ما وراء الضرورة. يعيد لي هذا النص، ذاكرة القراءات الأولى.. متعة الكشف.. توق العلو.. الكمال.. الشغف بقوة الروح، ونفاذ العقل، وتوهج القلب.. التفتح في المحبة.. الاندفاع.. الاندفاع العظيم! فيما بعد.. ماذا يعصف بنا، كي نكون هكذا؟ نسير محاذين الجدران، نتفحص الأرض التي لم نطأها بعد، خوف أن يباغتنا ما لم نحتسبه! والاحتساب بات أول الضرورات، ويسمونه: الحذر! إنها القيود التي تتجسد في مسميات، ومعان، ومرايا. إنه الحصر الذي يشدنا نحو ما لا ندريه، وما لا ترسمه أرواحنا ومشاعرنا، وضوء بصيرتنا. وحين نبحث عن طمأنينة الروح، واشتعال القلب، فالشعر هو المفتاح الأول. هو تفاحة المعرفة.. مبتدأ كل حب.. عمق كل تأمل، وخلاص كل روح! الشعر هو الطاقة التي ينبغي أن تخيفنا.. الشعر، لا الكلام، لا الكلمات، لا السرد البارد. الشعر هو الغناء الخافت للكون.. النبض، العصيان، اللجة، شهوة الخطورة، البهاء في الوردة، الليونة في الغصن. الشعر هو اللهب المزرقّ في صعود الحريق! حمدة خميس | hamdahkhamis@yahoo.com