في العيد، تتحول المشاعر إلى معادلة كيميائية ذات أبعاد تاريخية عميقة. والذاكرة قافلة محملة بأوزار وأطوار، وآثار وأخبار، وكل ما يتعلق بمشاوير العمر، من إخفاقات ومسرات في الطرق الوعرة التي مرت بها عربة القلب، ولا يمكن تفسير تورد الابتسامة، وتحجر الدمعة معاً في آن واحد، دون الرجوع إلى التاريخ، كونه الكتاب الذي يضم بين صفحاته أحداثاً مرت، وأمواجاً هاجت وماجت، وأخذت من حليب الحياة مره وحلوه.. في العيد، نستعيد خيوطاً دقيقة طوّقت الأعناق، وطافت حول الأحداق، نحاول أن نفك عقدها، نحاول أن نحل تشابكاتها، نحاول أن نتطهر من بعضها، نحاول أن نعيش بعضها، وفي عيون الناس نقرأ التفاصيل، ونستقرئ ما يدور في الأذهان، من صور ومشاهد، في العيد نحن هكذا أطفال صغار، ندحرج عجلات الزمن بمشاعر هشة، مغسولة بملح الأيام وما مرّ من عواصف على خيمة العمر.. في العيد نحن نسهب في التأمل، متزمِّلين بذكريات، مشدودين إلى زمن لم يعد حاضراً إلا في الفكرة التي لم تزل خضراء كورقة اللوز، لكنها مقذوفة على رصيف حجري جامد.. في العيد، نحن نبحث عن وجوه غابت وبعضها تلاشى في غربة الزمان، نبحث عن وجوه نرى فيها أنفسنا، نراها فينا، نرى المكان فيها، نرى الزمان يطويها كطي السجل، نرى خيالاً جامحاً، يحط رحاله عند أول صباح عيد، فيه الصغار وحدهم الذين يمضون في الأزقة بجلابيب بيض، وقلوب أنصع من قرص الشمس. في العيد نحن هكذا نتمثل الطفولة، كأنها موجة عارمة، نسيت بياضها على الشطآن، ثم تقهقرت تبحث عن هديرها في الأعماق.. في العيد نحن هكذا، تشاغبنا الأسئلة، وتفرك جفوننا، عن غشاوة رسم تجاعيدها على الجبين، وانتعلت العمر الذي مضى، لا تمضي المشاعر بدون ضجيج، يُسقط ارتعاشته على القلب، في العيد الأشياء الجميلة تختلط بغبار الجياد التي مرت من هنا، بعد أن عفرت التراب وعبثت بالأحلام.. في العيد النوارس التي كانت تمر على رموش العين، تغير لون أجنحتها بعد أن عبثت الريح بريشها، في العيد تطل سفن السفر عبر نوافذ في جدار الزمن، وأشرعتها غيوم تفرق نسيجها.. في العيد، نفرح كثيراً بلقاء من أحببناهم، ونحزن لفراق من غابوا، وضاعت رائحتهم في فراغ الوقت.. في العيد، تصهل أطباق الفرح، وتطفح قدور الصباح، بزبيب اليوم الأول، والقبلات تحترق بلظى العتاب، والغياب.. في العيد، يحلو السؤال عن صديق مرّ من هنا، ثم تلاشى في الغياب، ومعه تلاشت مشاعر ومشاعر.. في العيد، شيء ما يداهم القلب، فيرتكب خطيئة التذكر، ولا يجنب سوى صور غامضة أشبه بنجوم تختفي خلف سحابات قاتمة.. في العيد، تتفتح شهوة الروح بالتعلق في ضوء الليل، وكسوة النهار، نزهة في غابة سحرية قديمة قِدَم الزمان.. في العيد، ينفض سامر الصمت، وتفرج الابتسامة عن أعشاب تشب خضرتها في القلب، وتتفرع الأغصان عن لواعج مبهمة. Uae88999@gmail.com