في ذلك العمق الصحراوي من جنوب الجزائر تستلقي منشآت عين أمناس، التي لم يكن يسمع بسكونها أحد، ولا يعرفها سوى العاملين في قطاع الطاقة والاقتصاد. عبر تلك المنشآت الحيوية تصدر الجزائر الشقيقة قرابة تسعة مليارات متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي الى الأسواق الأوروبية عبر إيطاليا. ويمثل ذلك أكثر من واحد على عشرة من إجمالي انتاج البلاد من الغاز الطبيعي الذي يقدر بنحو ثمانين مليار متر مكعب. خلال الأيام القليلة تصدرت الأخبار ونشرات الفضائيات هذه المنطقة من الصحراء بولاية ايليزي، والواقعة على بعد 1600كيلومتر جنوب شرق العاصمة الجزائر، بعد أن أقتحم إرهابيون المنشأة، وقتلوا بدم بارد أكثر من37 شخصا بريئا. إرهابيون يقودهم معتوه من قطاع الطرق احترف تهريب السجائر الأجنبية، وخطف عابري السبيل، وكل ذلك باسم الدين الإسلامي، لضمان تمويل تجنيد أفراد لعصابته من المعتوهين الذين يتلحفون بالدين، وهو منهم براء، يمشطون تلك القفار والبراري لاصطياد ضحاياهم. ولا يزال العالم يتذكر اختطاف هذه الشرذمة من البشر نحو 30 سائحا غربيا في المناطق الصحراوية الحدودية عام 2003. وأثناء محنة احتجاز الرهائن في «عين أمناس» اهتز العالم، وأسواق الطاقة لما جرى من استهداف للأبرياء من الآمنين والمستأمنين، وفي الوقت نفسه محاولة ضرب مورد اقتصادي مهم لدولة لها مواقفها المشهودة، وعانت من جرائم وأفعال الإرهاب والإرهابيين المتأسلمين، لذلك حظي بدعم وتفهم عربي ودولي واسعين، الموقف الحاسم والتعامل الحازم للسلطات الجزائرية مع هذه الشرذمة من القتلة والإرهابيين. فالذين يستبيحون دماء الأبرياء والأعراض والممتلكات، لا حوار أو تفاهم معهم، لأنهم خارجون على النظام والقانون وشرعية الحاكم. ولعل أكبر شاهد على تعطشهم للدم وجنوحهم للقتل إعدامهم بدم بارد وبرصاصة في الرأس ثمانية من الأجانب الابرياء العاملين في المنشأة، منذ اللحظة الأولى لاقتحامهم لها، في مسلك يكشف نفسياتهم المشوهة وعقلية المهربين وشذاذ الآفاق الذين تجمعوا من كل مكان ليقتلوا أبرياء، ويدمروا ممتلكات تخص شعب عربي مسلم شقيق. إن إدانة واستنكار الإمارات للحادث الإرهابي الذي استهدف منشأة جزائرية، جاء ليؤكد موقف الدولة وتضامنها مع الأشقاء في الجزائر، وتأكيد حقهم المشروع في الحفاظ على أمن واستقرار بلادهم، وهو موقف مبدئي وثابت ينسجم من قناعات راسخة في دعم الأشقاء والأصدقاء، والتصدي لهذه الآفة التي تهدد أمن واستقرار ورخاء وازدهار شعوب العالم، وقد ساهمت الإمارات بجهود فعالة مع المجتمع الدولي في هذا الإطار. ومن أحدث تلك الجهود تدشينها في أبوظبي الشهر الماضي لمركز»هداية»، أو»مركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف»، الذي يعد الأول من نوعه في العالم، للتدريب والحوار والتعاون والبحوث لمكافحة التطرف بأشكاله كافة، ويتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً له، والذي تم تدشينه عقب الاجتماع الوزاري الثالث للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي انعقد في العاصمة برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية. إن عملية «عين أمناس» تضع الجميع مجددا أمام مسؤولياته للتعاون في التصدي بقوة وحزم للملتاثين والمشوهين الإرهابيين ممن يستغلون ديننا الإسلامي الحنيف لمآربهم الإجرامية لقويض أمن واستقرار الشعوب. ali.alamodi@admedia.ae