لقد تحول مسلسل حريم السلطان إلى ظاهرة تلفزيونية واجتماعية ملحوظة، بعد أن حظي بنسب متابعة جماهيرية تعتبر الأعلى في تاريخ الدراما التلفزيونية، بحسب مسؤولي المحطة المنتجة، كما حظي بجدل اجتماعي وديني وسياسي على أعلى المستويات في تركيا، وذلك بسبب الصورة السلبية التي يقال إن المسلسل أظهر بها السلطان العثماني الشهير سليمان القانوني، وزوجته السلطانة خرم سلطان التي قدمها المسلسل باسم السلطانة هويام التي كانت في الأصل جارية روسية قدمت إلى حر ملك السلطان بعد أسرها أو سبيها في واحدة من المعارك!!
والحقيقة أن القائمين على العمل قد نجحوا في إضافة كل المؤثرات، واستخدموا أرقى التقنيات لإخراج واحد من أكثر الأعمال الدرامية نجاحاً وإثارة، أما تفاصيل السيرة الذاتية للسلطان ومقدار تشويهها ودرجة تعمد التشويه أو استغلاله، فتلك حكاية أخرى تحتاج رأياً علمياً صارماً ينهي هذا الإشكال الذي يقال إنه وصل إلى درجة تدخل كبار السياسيين الأتراك في موضوع استمرار عرض العمل لإساءته الكبيرة لتاريخ الدولة العثمانية وللسلطان سليمان الذي عرف بقوته وإصلاحاته وفتوحاته المشهودة!
وبشكل عام، فإننا في العالم العربي والإسلامي نعاني حساسية شديدة حيال توظيف التاريخ درامياً، كما نعاني حساسية أشد حيال إعادة كتابة سير وحياة الشخصيات صاحبة المكانة، سواء الدينية أو النضالية أو حتى الفنية، فقد أثير اللغط نفسه عند عرض مسلسل حول حياة سيدنا يوسف والحسن والحسين وعمر بن الخطاب والشاعر نزار قباني والفنانة أم كلثوم، وكذلك الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إلى درجة رفع قضايا وتبادل اتهامات بتعمد التشويه وعدم الدقة في سرد التفاصيل، فالمشاهد الذي يغض الطرف عندما يتعلق الأمر بحياة فنان أو شاعر، لا يتهاون حيال ما يمس سيرة رمز يحظى بحالة خاصة من القداسة كشخصية سيدنا الحسين أو عمر بن الخطاب مثلاً!
المسألة دقيقة وحساسة، وترتبط بذهنية التحريم والتقديس في الثقافة الإسلامية والعربية، وهنا، فإن دولاً وثقافات أخرى قد تجاوزت هذه الحساسية لأسباب لها علاقة بتحولاتها الاجتماعية، وتغير الثقافة والذهنية وانتقال أو دخول المجتمع إلى الحالة العلمانية الكاملة التي أزاحت جانب «التابو» أو المحرم الديني كمعظم دول العالم المسيحي الذي لم يعد يرى مانعاً في تجسيد المسيح مثلاً بعد أن كان هذا الأمر مرفوضاً، وتجسيد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية الذي كان محل نقاش حتى وقت قصير، وهكذا، اليوم هناك انفصال تام بين الدين والحياة وبين الدين والفن، لقد أصبح الفن حراً بشكل كامل ولا يمكن التدخل فيه أو فرض قرارات من أي هيئة دينية أو سياسية، بينما الأمر يختلف عندنا نحن المسلمين، وهذا ما يوجب الحذر عند إنتاج أعمال تمس محرمات ورموزاً دينية تحديداً!
هذا لا يعني أن سليمان القانوني مثلاً كان رجلا بريئاً من الأخطاء والتجاوزات أو أن عصره كان مثالياً، بل يحكي المؤرخون عن تجاوزات كثيرة تتم في مملكة الحريم والجواري، وعن فساد رجال البلاط وتفشي الرشى والمؤامرات، وهي أمور ثابتة، علينا أن نتقبل وجودها ونتعامل معها بواقعية، فقد كان السلطان ينزل عن ظهر جواده ويعيش في القصور، وله جوارٍ وحياة بذخ حقيقية حتى وإن كان أعظم الفاتحين!



ayya-222@hotmail.com