مع بداية حركات التحرر الوطني العربي المزعومة، والثورات ضد الرجعية والتخلف المدعومة، ظهرت نبرة نعت دول الخليج أنها أس الرجعية، والتبعية الإمبريالية من قبل ثورات الدبابات والانقلابات الإذاعية وتلاوة البيان رقم واحد للثورة المظفرة، وبقدر ما كانت بعض الدول ترسل معلمين ومهندسين وإداريين، وتستقبل طلاباً ومتدربين كانت أيضاً تبشر بزلزال عقائدي قادم، لتصبح دول الخليج في ركب التطور والتقدم والتحرر العربي من كل تبعيات الاستعمار، والتخلف الاجتماعي، والخروج عن عقد القبيلة. يومها كانت الشعارات المؤدلجة، وبث الإذاعات والخطابات السياسية الرنّانة، والمزايدة على قضية فلسطين، تغلب كل حليم وتقنع كل حكيم، هكذا كان حديث “بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان” ومن يمن إلى مصر إلى ليبيا فالسودان، وحدها دول الخليج كانت تبحث عن خلاصها في التعليم، ودخول عصر التمدن، والاستفادة من خيرات النفط في مجالات التنمية المستدامة والمتعددة. كانت مطالبات دول المركز العربي لدول الهامش العربي حينها أن أمموا الشركات الأجنبية، وثوروا على الوضع الراهن، وثوّروا المؤسسات الوطنية، وأقلبوا الهرم الاجتماعي، كان صريخاً غير مبني على معرفة ودراية وحتى خبرة كافية لنقل الإنسان من حال إلى حال اكتفت دول الخليج بسماع مكبرات صوت الثورات المتعاقبة، والثورات الوطنية البديلة، ودعم حركات التحرر في العالم، ومشروعية النضال من خلال عصابات المرتزقة، والمحاربين عن الآخر بماله وبمباركته، حتى لحقت هذه الشرارات كل مدن الخليج، ودفعت ضريبة قول لا للثورة التي لا تحمل خطاباً سياسياً فاعلاً في الاقتصاد وتنمية الوطن والإنسان، فقدمت شهداء واجب من وزراء وسفراء، ومتنورين، وضرب مصالح اقتصادية، ومشاريع لانقلابات واغتيالات طالت الرؤساء. بقيت دول الخليج تعاند الصوت العالي الأجوف، وتلتفت لنفسها ولا تنسى البناء، ولغة العصر وأرقامه، والتقانة الجديدة، والاتصال بالآخر، والنهوض بالإنسان المواطن من بداية أبجدية الأشياء حتى الرفاه الاجتماعي، كذلك لم تنس أن تقدم من مداخيلها في تنمية بلدان عربية شقيقة، وإسلامية صديقة، ضاعت للأسف في ميزان الثقة المتبادلة، والفساد السياسي المغيّب، ولم تصل فائدتها لمستحقيها من الشعوب! تحملت دول المنطقة كلمات الاستخفاف، والصورة النمطية التي اختلقتها دول الغرب، وعممها بعض الإعلام الثوري، حتى ظهرت لنا صحف صفراء في الشرق والغرب تبحث عن المثالب، وتختلق الحكايات، وتنفخ في القضايا العادية، كانت مؤشراً حقيقياً للابتزاز، وفرض الأتاوات، فدفعت دول الخليج لسنوات، لكنها كانت بالمقابل تبني إعلامها، وتعدد قنوات التواصل والاتصال. اليوم دول الهامش زحفت للمركز، بفضل التنمية والتعليم وتسخير خيرات الوطن للبناء والنهوض في كافة المجالات، وملاحقة ركب التحضر، بعيداً عن ثورات كلامية، وانقلابات دموية، دفع ثمنها الشعب العربي والإسلامي وحده، فيما انسحبت دول المركز للخلف تتخبط في سوء التنمية، والفساد الإداري، و”التشبيح” السياسي! amood8@yahoo.com