ساعات المدن هي عناوينها التي لا تضيّع، مثلها مثل المحطات، ومبنى البريد، ومسرح المدينة، هكذا تعرفت على كل مدن أوروبا صغيرها وكبيرها، ساعات المدن لو حطمها خراب الحرب، واستهدفها قصف العدو، أول ما يعاد ترميمه، وبناؤه، لأنها دليل على حياة المدن، وإيقاعها النابض بالعافية، وشعار مقاوم ضد الموت الذي تصنعه الحرب، مثلها مثل الجسور، ومحطات الكهرباء، ومبني الأوبرا، والمتحف، والنصب التذكارية والتماثيل، لأنها أملاك دائمة للمدن، والأفراد الوطنيون حرّاس لها.
لقد تملكتني هواية الشغف بتصوير ساعات المدن، المرتبطة بتاريخها، والشاهدة على أحداثها، بدءاً بساعة “بج بن” العجوز في المدينة الضبابية، وتسمت باسم وزير الأشغال العامة “بنجامين هول بن”، عرفها العالم من خلال هيئة الإذاعة البريطانية ليلة رأس السنة الميلادية عام 1923م، توقفت بسبب العواصف الثلجية، وأثناء جنازة الملك إدوارد السابع، والملكين جورج الخامس والسادس، وتوقفت ثلاثة أشهر عام 1944م، أثناء القصف الجوي الألماني على لندن في الحرب العالمية الثانية لدواعٍ أمنية، هناك ساعة الزهور في جنيف، مدينة الساعات، ولها أخت صغرى شبيهة بها تستقر في العاصمة أبوظبي، ساعة بروكسل، ساعة موسكو، ساعة أوسلو ساعة محطة مومبي، ساعة جامعة القاهرة، ساعة دبي القديمة، ساعة لكسمبورغ، ساعة بيروت، وساعة محطة الجزائر، وساعة أبوظبي على الكورنيش، وساعة العين عن الدوّار المشهور، وساعات كل مدن ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وأثينا واسطنبول، وغيرها من مدن الدنيا التي رأتها العين.
قسم البابليون اليوم إلى أربع وعشرين ساعة، واخترعوا الساعة الشمسية “المزولة”، أما الفراعنة وقبل 3400 سنة فقد عرفوا الساعة المائية، وفي القرن الرابع عشر عرفت الساعة الرملية، في حين ظهرت الساعة الميكانيكية في أوروبا قبل 700 سنة تقريباً، وفي عام 1656 اخترع الهولندي “كرستيان هايجنز” ساعة البندول، وأول ساعة تم صنعها عام 1755 من قبل “جان مارك فاشرون”، أما زر تعبئة الساعة فاخترعه “بياجيه” عام 1873.
ولعل ساعة هارون الرشيد المهداة لملك فرنسا شارلمان أشهرها في التاريخ، وساعة المخترع الصيني”سوسونج” في أواخر القرن الحادي عشر، والبالغة 9 أمتار، وتزن بضعة أطنان، وكانت تدار بساقية، والتي سرقها الغزاة وفكوها إلى أجزاء عام 1126، لكنهم لم يقدروا على إعادة تشغيلها من جديد، وهناك الساعة الصينية “أم البخور” التي كانت كل ساعة تحرق بخوراً مختلفاً، فيعرف الناس الوقت من رائحة البخور المنبعثة، وهناك ساعة الملك الإنجليزي “الفرد” الكبير الشمعية، والساعة التي عطلها الإسبان حين دخلوا غرناطة، وعبثوا بهندسة بهو السباع ونافورته التي كان يعرف بها الوقت حينما يتدفق الماء من فم السبع، أما ساعة كاتدرائية ستراسبورغ في فرنسا، فقد صنعت عام 1354 يعلوها ديك يرفرف بجناحيه كل ساعة، اليوم لم يتبق من الساعة إلا ذاك الديك، الميقاتي الأول في التاريخ.

amood8@yahoo.com