اترك المدينة خلفك بضجيجها وسقمها وإزعاج السيارات والمارة والزحام، فالنهر ليس بالبعيد عن مدينة بانكوك، اذهب إلى عمق المدينة، اسلك طريقاً يهرب بعيداً عن الضجيج، سوف يوصلك إلى حافة النهر الذي يعبر المدينة بانسياب جميل، استغل قارب يشبه سمكة البركودا أو الحاقول، له مقدمة تحمل رأس تنين، هذا صديق النهر وعارف أسراره وتعرجاته، لا تخف من سرعته الهائلة فإن له قائداً تربى على حب الماء والزوارق، ولد فوق النهر، سبح فيه مثل تمساح، خبرَ صعود الماء وانجرافاته القوية وتياراته السريعة، دائماً كنا نظن أن الماء لا خوف فيه ولا مفاجآت غير محسوبة، الصحيح أن النهر ليس كالبحر قد تعرف أسراره وتدري متى تأتي الأمواج عالية أو خفيفة، بينما النهر الواسع والكبير الذي يحمل السفن والقوارب أيضاً له نظامه ومحاذيره لا يمكن أن يعلمها غير ناسها. سريعاً تعرف ذلك عندما يحملك ذلك القارب الصاروخي، الذي ينطلق كالسهم دون خوف من الزوارق المنطلقة مثله عودة وذهاباً عبر التعرجات والجسور التي تعترض مساره ثم الممرات الضيقة. تعجب من مهارة قادة الزوارق، سواء كانوا من الذكور أو الإناث، شيء يدعو إلى العجب من مقدرة هؤلاء على القيادة في ظل ظروف متحولة في كل عشر أو خمسة عشر دقيقة، بين نزول الأمطار وانحسارها وعلو الأمواج وخطر الزوارق العابرة والسفن الكبيرة والتعرجات الحادة.. إنها فرصة لمعرفة الطبيعة وقدرات الناس على التكيف مع الظروف المختلفة. عندما تعبر النهر الكبير الذي يعبر مدينة بانكوك فإن مناظر جميلة وعجيبة تمر بها أو تمر بك، هي صور لا يمكن أن تشاهدها دون أن تكون في وسط النهر وروعة الماء عندما يصنع مساره وناسه وشواطئه. تعبر بمحاذاة ناس تسكن منازل فوق الماء، منكبة على أعمدة وكأنها أبراج حمام، أطفال ونساء ورجال في غاية السعادة، يلوحون للزوارق العابرة تحت المنازل ومحاذاتها، بينما قد تجد أنت الصحراوي استحالة العيش والحياة في ظل هذه الظروف المائية، تبعث الصحراء فيه جدبها وحرارتها، حتى تخال نفسك ضباً يعدو في الصحراء والكهوف، أما الإنسان المائي فقد يخال نفسه تمساحاً يعبر النهر أو ينام على الصخور الباركة على حافة النهر. لحظات متشابهة ربما في صعوبة الحياة، ولكنها مختلفة في التكيف والعيش والقناعات بما وهب الله لكل واحد في أرضه وظروفه. إن أهم شيء تشاهده في طريق هذا النهر الابتسامة والرضا عن الحياة، تعبر النهر وتطوف بك أشجار كثيرة، عالية الارتفاع أو معانقة للماء، بعضها يحمل الثمار النادرة في الخليج العربي، بينما هنا لا تجد من يقطنها، أنواع الفواكه من المانجو إلى الثمار الرائعة التي تأتي من الشرق تكاد تلامس الماء لتزين طريقك وترافق عبورك النهري، بالتأكيد لن تجد صوراً جميلة مثل ما يقدمه لك عبور نهر بانكوك الكبير، تستطيع أن تتوقف لحظات في مناطق خاصة في النهر لتطعم الأسماك التي تخرج بأعداد هائلة وتكاد أن تقفز إلى محاذاة حافة القارب لالتقاط ما تطرحه لها من فتات الخبز، بينما على الحافة تتجمع أعداد كبيرة من الحمام والطيور لالتقاط ما ترميه لها من حبوب أو قطع الخبز. هذه المحطة النهرية يحرص قائد الزورق أن يتوقف عندها ليترك لك لحظة توحد مع الطبيعة، النهر والأشجار والأسماك والطيور تمد صداقة قصيرة مع هذه المناظر الخلابة لتخرج من حالات خاصة بك إلى شيء جديد في حياتك.. إنه النهر الذي يبعث الحياة والحبور والجمال ويزين الدنيا بالأخضر والبشر الطيبين.. ليس هذا وحسب وإنما في هذا الشرق الرائع الجميل أشياء كثيرة رائعة. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com