توصف كثير من الأشياء بالشدة في العربية فيقال: لَيْل عُكَامِس شديد الظُلمَة، ورَجل صَمَحْمَح شديد المُنَّة. وأسَد ضُبَارِم شديد الخَلْق والقُوَّة، ورَجُل عُصْلُبِيّ وصَمْعَرِيّ كذلك، وامرأة صَهْصَلِقٌ شديدة الصوت، ورَجُل أَقْشَرُ شديد الحُمرَة. ورَجل خَصِم شديد الخُصُومة، شَعْر قَطَط شديد الجُعُودَة. لَبنٌ طَخْفٌ شَدِيدُ الحُمُوضَة، وماء زُعَاق شَديدُ المُلُوحة، ورَجُل شَقْذ شَدِيدُ البَصَر سريع الإصابة بالعَين، وفَرَسٌ ضَلِيع شديد الأضْلاع، ويَوْم مَعْمعانِيٌّ شَدِيدُ الحَرِّ، وعُودٌ دَعِر شديد الدُّخَان، ويوم عَصِيب وأرْوَنَان وأرْوَنَانِي، وسَنَة حِرَاق وحسُوس، وجُوع دَيْقُوع وَيرْقُوعٌ، ودَاء عُضَال وعُقَام، ودَاهِيَة عَنْقَفِير ودَرْدَبِيس، وسَيْر زَعْزَاع وحقْحَاقٌ، ورِيح عَاصِف، ومَطَر وابِل، وسَيْل زَاعِب، وبَرْد قَارِس، وحَرُّ لافح، وشِتَاء كَلِب، وضَرْب طِلَخْف، وحَجَر صَيْخُود، وفتنةٌ صَمَّاءُ، ومَوْتٌ صُهابِيّ. لما انتصر جيش الخليفة المعتضد على هارون الشاري، نُصبت القباب ببغداد، وزُيِّنَت الطرقات، وتكاثف الناس على الجسور، فانخسف بهم الجسر الأعلى وسقط على زورق مملوء ناساً، فغرق في ذلك اليوم نحو من ألف نفس، واستُخرج الغرقى من نهر دجلة بالكلاليب وبالغاصة، وارتفع الضجيج، وكثر الصراخ من الجانبين جميعاً. فبينما الناس كذلك إذ أخرج بعض الغاصة صبياً عليه حلي فاخرة من ذهب وجوهر، فبصر به شيخ من النظارة، فجعل يلطم وجهه حتى أدمى أنفه، ثم تمرّغ في التراب، وجعل يصيح: ابني! لم تمت إذ أخرجوك صحيحاً سويّاً لم يأكلك السمك! ليتني يا حبيبي كحلت عيني بك مرة قبل الموت! وأخذه فحمله على حمار، ثم مضى به. فما برح القوم الذين رأوا من الشيخ ما رأوا، حتى أقبل رجل معروف باليسار مشهور من التجار، حين بلغه الخبر، وهو لا يشك إلا أن الصبي في أيديهم، وليس يهمه ما كان عليه من حلّي وثياب، وإنما أراد أن يكفِّن ابنه ويصلِّي عليه ويدفنه. فخبّره الناس بالخبر، فبقي هو ومن معه من التجار متعجبين مبهوتين، وسألوا عن الشيخ المحتال واستبحثوا فإذا لا عين ولا أثر. إبراهيم ناجي: وارحمتاه للقويِّ الصبورْ يقضي الليالي في كفاحٍ سخيفْ وكيف لا أبكي لكدح الفقيرْ أقصى مناه أن ينال الرغيفْ! *** كم صحتُ إذا أبصرت هذا الجهادْ وميسم الذلـــــة فوق الجباهْ يا حسرتـــــــــا ماذا يلاقي العبادْ أكــُلُّ هذا في سبيل الحياهْ؟! *** يــــــــا ربِّ غفرانك إنــــا صِغارْ نــدبّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ نسحب في الأرض ذيولَ الصغارْ والشيبُ تـأديبٌ لنا والقبورْ! إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae