يوم أمس الأول اعتمد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي أسماء 14 ألفاً و570 طالباً وطالبة ممن تنطبق عليهم معايير الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي الحكومية والبعثات الخارجية للوزارة. في دفعة تعد هي الأكبر على الإطلاق في تاريخ التعليم العالمي، تأكيداً لحرص الدولة على توفير فرص التعليم العالي لأبنائها، وتعزيز مواردها البشرية بالعنصر المتعلم والمؤهل تأهيلاً نوعياً عالياً. وهم رهان المستقبل الذي يعول عليه. وحتى أولئك الذين لم تتوافر لديهم نسب النجاح المطلوبة للالتحاق بالجامعات، التحقوا بكليات التقنية ومعاهد فنية تتناسب ورغباتهم، وفي الوقت ذاته لمواكبة احتياجات سوق العمل، خاصة أن الدولة تتجه بقوة وعزم نحو اقتصاد المعرفة.
لقد كان موضوع التدقيق في معايير الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي مهماً للغاية، لما كانت تستنزفه من جهد وموارد سنوات “التعليم الأساسي” من تلك المؤسسات.
كما أن هذا الموضوع سيساهم في تحفيز روح الاجتهاد لدى الطالب بصورة مبكرة عندما يدرك أن سوق العمل بات يركز على العنصر النوعي في اختياراته لموارده البشرية، بعد أن كان البعض من هؤلاء الطلاب، وحتى أولياء أمورهم للأسف يعيشون بتفكير الماضي، عندما كانت دوائر ومؤسسات الدولة مع السنوات التي تلت قيام الدولة، وخلال حقبة التأسيس، تقبل بالمواطن بشهادته الإعدادية أو الثانوية، ليلتحق سريعاً بالعمل بعد إخضاعه لدورات تأهيلية مكثفة، وذلك لندرة أصحاب الشهادات والمؤهلات العليا. اليوم الوضع تغير، فهذه الفئة الأخيرة تنتشر في مختلف مواقع العمل، بما في ذلك دوائر الشرطة، وفي صفوف القوات المسلحة، وهما المرفقان اللذان يستوعبان تقريباً أعلى شريحة من حملة الدكتوراه والماجستير. وما قرار مجلس أبوظبي للتعليم باشتراط الماجستير كحد أدنى لشغل وظيفة مدير مدرسة إلا صورة للتغيير الكبير الذي طرأ على المشهد، والذي بات يمثل ضغطاً على التعليم النوعي وضرورة مواكبته لسوق العمل واحتياجاته ذات الطابع المتخصص.
وعلى الجانب الآخر، من الصورة هناك مئات من الطلبة والطالبات ممن لم يتمكنوا من اجتياز عقبة “تلبية المعايير”، فطرقوا أبواب الجامعات والمعاهد الخاصة التي وجدت في تلك المعايير “دجاجة تبيض ذهباً”. والدليل ظهور مؤسسات تعليمية خاصة مهمتها فقط إعداد الطلاب لخوض امتحانات “توفل” و”آيلتس”. وطبعاً كل دورة برسم خاص. والجلوس للامتحان له سعر خاص في مؤسسات تعليمية متخصصة أخرى. بعض الجامعات الخاصة دخلت أيضاً على الخط، وأنشأت أقساماً خاصة بها لمواجهة هذا الطلب المتزايد لاجتياز المعايير المطلوبة. وهي تمثل الثمن الباهظ الذي يدفعه المجتمع اليوم من جراء تدني مستوى التعليم، والتحصيل في المراحل التعليمية السابقة، وتحركنا لمعالجته مؤخراً.
وعلى الرغم من تعثر المعالجة في بعض المراحل، إلا أننا نراهن بأن تكون التجربة قد وضعتنا على المسار الصحيح لمواجهة تحديات المستقبل، وما يمثله وجود آلاف الشباب عند أبواب الجامعات، حاملين أحلامهم لرد جمائل الوطن.


ali.alamodi@admedia.ae